وما ورد في هذا النص يشير إلى أنه سبق إن قام بمثل هذا العمل لدى المظفر، بامارة بطليوس مسقط رأسه.
كما استدعاه المقتدر بن هود أمير سرقسطة وجعله مفخرة دولته، وما ورد في قلائد القيان (فتهادته الدول) يؤيده ما سبق ذكره في التخاطب بين أمير دانية وبطيوس، فكل واحد من هؤلاء يفتخر به ويجله.
وكان مرنا في طبعه يتمشى مع الشرع والاحداث الطارئة دون هوادة أو تزمت، فيفتي بفتاوي للاصلاح بعد تأمل واجتهاد.
ومن ذلك ما يروى أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين طلب المعونة ليتقوى بها على الجهاد، فاستفتى علماء العدوتين: المغرب والأندلس، فأفتوه بجواز ذلك أسوة بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان من أبرز هؤلاء أبو الوليد الباجي لعدم ورود اسم غيره في وثيقة المعارضة الذي كتبها - وجعل عهدة الجواز على من اجازه - أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله بن زكريا بن الفراء قاضي المرية، الذي استشهد بغزوة قتندة سنة (514 ه / 1120 م)، ولم يعارض هذا الامام هو الاخر بدوره هذه الفتوى الا لكونه يرى أن ذلك لا يصح الا ببينة ظاهرة وشروط معينة، ذكرها في تلك الوثيقة المشار إليها آنفا.
وكل منهما قد اجتهد في المسألة وأجرهما على الله.
ولم تكن إجازة الباجي للفتوى في هذه النازلة تقربا للسلطان ورغبة في النفوذ، ولكنه يرى في ذلك مصلحة الأمة في الدنيا والأخرى، ولو لم يكن الامر كذلك، لما خاطب بتلك اللهجة الحادة التي نقلت عنه حينما كان عند أمير سرقسطة المقتدر. (أحمد بن هود ينتظر اذنه، فجالسه ابنه الملقب بالمؤتمن، - وكان يتفلسف - وجاذبه ذيل الحديث فقال له: هل قرأت أدب النفس.