فهذا أبو العلاء عباس بن ناصح الثقفي الأندلسي المتوفى فعد (230 ه / 844 م) كان يترصد ما جد من الشعراء بالمشرق بعد ابن هرمة، حتى سمع بعض شعر أبي نواس الحسن بن هانئ فقال: هذا اشعر الجن والإنس، والله لا حبسني عنه حابس، فتجهز إلى الرحيل، ولقي أبا نواس ببغداد ولزمه عاما يروي أشعاره ويتأدب به، ويدلك على طموح أهل الأندلس لمعادن أبرز شخصية في القرن الثالث الهجري أبو القاسم عباس بن فرناس (274 - 887 م)، كان ذكيا فيلسوفا حاذقا مهندسا بارعا شاعرا مفتقا، عارفا بالتنجيم والكيمياء والموسيقي، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل، وهو أول من فك بها كتاب العروض للخيل، وأول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، واخترع ذات الحلق في معرفة الأوقات لعبد الرحمن الأوسط، والمنقانة لمعرفة الأوقات للأمير محمد بن عبد الرحمن الأوسط، وهو أول من فكر وقام بتجربة في الطيران في العالم، فكسا جسمه الريش على شقق الحرير، فاستطاع الطيران في الجو فحلق فيه وسقط على مسافة بعيدة، وكان ذلك نهاية حياته وتضحية علمية كبرى من أول حلقت الطيران إلى غزو الفضاء في عصرنا اليوم. ويعد بحق أول رائد في هذا المضمار، وغيرهم كثير، ومن لم يرحل نسبوه إلى التقصير وقلة العلم، ولو كان من الأئمة الاعلام، وفي هذا المعني يقول أبو محمد بن حزم:
أنا الشمس في جو العلوم منيرة * ولكن عيبي أن مطلعي الغرب ولو أنني من جانب الشرق طالع * لجد على ما ضاع من ذكرى النهب ولي نحو أكناف العراق صبابة * ولا غرو إن يستوحش الكلف الصب فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم * فحينئذ يبدو التأسف والكرب