وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، ورد مدينة حلب صادرا من العراق وكان قصده أن ينصرف منها بعد يومين، وقد غلب على أهل البلد ومعظمهم التشيع، وناظر بعض علمائها من الشيعة على مذاهب أهل السنة، فأفحمهم.
قال أبو الوليد الباجي: (ورغب إلى أهل العلم والحال في المقام بها وقالوا لي:
أنت مستقبل الشتاء وليس بوقت سفر وأنت تقيم بصور أو غيرها إلى وقت السفر، فاجعل مقامك عندنا، وظهر من قلق المتشيعين فيها ما شاع، وبلغ السيدة بنت ابن رباب وكانت من أهل السنة و، وقصدت مجلسي وبلغ الامر الأمير معز الدولة ثمال أبي علوان بن صالح الكلابي وهو صاحب حلب في ذلك الوقت. وكان قد أفسد مذهبه معلم قرأ عليه، فكانت زوجه السدة بنت ابن رباب أنمري تروم صرفه عن ذلك فلا تقدر عليه، فوجدت السبيل بي إليه، ورغب في إن يلقاني، فلقيته مرارا. وانصرف عن ذلك الرأي الفاسد على ما أظهر، وكلمت بين يديه المخالفين، وبلغ به الميل إلى ضرب بعض الشيعة المتعصبين وأخرجهم من البلد، وظهرت كلمة السنة.
وقعدت لأقرأ كتاب البخاري وحضرت السيدة المذكورة قراءة جميعه، وحضر الجم الغفير من الناس بعد منافرتهم لي، وأنسوا بما فيه من فضائل الصحابة، وبقيت عندهم بقية عام سبعة وثلاثين وعام ثمانية وثلاثين، وقد قرأ علي جماعة من أهل تلك الجهة، وفشت فيهم السنة، وكانت الفتوى فيها على مذهب مالك رحمه الله مدة مقامي بها. وبلغ ذلك القاضي أبا جعفر السمناني شيخنا - رضي الله عنه - فكاتبني يقول لي: (استفتحت بلدا ما استفتح القاضي أبو بكر مثله)... إلى أن استدعاني