تعالى التوفيق، فكان الواجب ألا يكلف الذمي غرما بعد الجزية إلا ما أوجبه نص أو إجماع، وقد أوجب الاجماع المذكور عليه إما ثمانمائة درهم، وإما ستة أبعرة وثلثي بعير، ووقع التنازع في الزيادة فلما لم يأت بشئ من ذلك نص صحيح وجب أن يطرح ولا يلتفت إليه.
فإن قالوا بتقليد صاحب في ذلك، قيل لهم: ليس الصاحب الذي قلدتم بأولى من صاحب آخر خالفه في ذلك، مع أن التقليد كله باطل على ما سنبينه في بابه من ديواننا هذا إن شاء الله تعالى.
فإن قال قائل: أنتم متناقضون في قولكم بأقل ما قيل في المقادير اللازمة في الأموال والحدود وفي الاعداد كلها وترككم الزيادة إلا أن يوجبها نص مع قولكم إن من اتفق عليه من زمان ما ثم ادعى قوم ارتفاعه، فإن الواجب التمادي عليه والثبات على ما قد اتفق على وجوبه، حتى يأتي مدعي ارتفاعه ببرهان على ما ادعى من ذلك فهلا قلتم إنه لا يلزم هذا الحكم إلا مدة الزمان الذي اتفق على لزومه فيها دون الأزمان والأعيان التي اختلف في لزوم ذلك فيها ولها، كما قلتم: لا نأخذ في المقادير اللازمة في الأموال والحدود والأعداد إلا بما اتفق عليه دون ما اختلف فيه.
قال أبو محمد: فيقال له وبالله تعالى التوفيق: إن هذا شغب ضعيف، وتمويه فاسد، ولا تناقض بين القولين أصلا، بل هما شئ واحد، وباب واحد، لان الاجماع على وجوب الحكم، وورود النص كالاجماع على أقل المقادير والأعداد، كلاهما قد صح فيه الاجماع، ثم إن الدعوى لانتقال الحكم عما كان علمه، وللزوم النص بعض ما يقتضيه لفظه دون بعض الدعوى للزيادة على أقل ما قيل من المقادير والأعداد ولا فرق، وكلا الامرين إيجاب شرع وحكم بلا نص، وذلك لا يحل اتباعه.
وثباتنا على ما اتفقنا على أنه واجب، أو أنه مباح، أو أنه حرام، وتركنا من فارق ما اتفقنا على وجوبه من المقادير والأعداد ولا فرق، ومسقط الحق بعد وجوبه كالزائد فيه، أو الناقص منه، وكالشارع غيره، ولا فرق بين كل ذلك أصلا، فهو كله باب واحد كما ترى. ولا شغب من أراد التمويه بالفرق بين الامرين، وإنما موه من موه في ذلك، وغلط من غلط، لأنه رأى أحد الامرين زيادة على