فالجواب، وبالله تعالى التوفيق: إن الاجماع راجع إلى النص، وإلى التوقيف كما بينا في أول الكلام في الاجماع، وإنما أخذنا به، لأنه نقل العمل أو إقرار على أمر معلوم علمه عليه السلام، فأقره ولم ينكره، وليس اختلاف الموجبين للمقادير المختلفة في الاحكام نقلا لشئ من ذلك، وإنما هو أن ما عدم أن يقوم عليه دليل نص، فإما رأى من قائله أو قياس أو تقليد، وكل ذلك باطل ودعوى بلا دليل فلذلك لزم تركه. وأما الزيادة في النص من أحد الرواة، فهو نقل صحيح، والاخذ بالنقل الصحيح واجب، والسبب الموجب لقبول الزيادة من العدل في الرواية هو السبب نفسه الموجب لقبول أقل ما قيل في الاجماع، إنما ذلك قبول ما صح من النقل فقط. وأما ما اختلف فيه، ولم يأت أحد من المختلفين فيه بنص فليس نقلا، والسبب المانع من قبول التقليد هو السبب المانع من قبول ما زاده قائل على ما اتفق عليه هو وغيره من العلماء بأجمعهم دون دليل يأتي به يوجب زيادته ما زاد وهو كله تقليد.
وقد قال بعض الشافعيين: محتجا في أخذ الشافعي رحمه الله في دية اليهودي والنصراني، بأنها ثلث دية المسلم، بأن ذلك أقل ما قيل.
قال أبو محمد: وليس كذلك، وقد روينا عن يونس بن عبيد عن الحسن: أن دية النصراني واليهودي ثمانمائة درهم، وقد صح عن بعض المتقدمين أنه لا دية له، فليس ثلث الدية أقل ما قيل. وأما نحن فإنا نقول: إنه لا دية لذمي أصلا، لا يهودي ولا نصراني، ولا مجوسي إذا قتله مسلم خطأ أو عمدا، وإن قتله عندنا يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا أقل ما قيل، وهو ثمانمائة درهم أو ستة أبعرة وثلثا بعير. وبرهاننا على ذلك أن الله تعالى إنما ذكر قبل الخطأ والدية فيه إن كان المقتول مؤمنا، هذا هو نص الآيات الواردات في ذلك، فلم يذكر الله تعالى لذمي دية. وقال عليه السلام: من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إما أن يأخذوا الدية، وإما أن يستقيدوا، أو كما قال عليه السلام. ونهى عليه السلام أن يقتل مؤمن بكافر فبطلت الدية إن قتله مسلم، لأنه عليه السلام إنما جعل الدية في العمد حيث يكون الخيار فيها أو في القود، وليس ذلك بين المؤمن والكافر، لكنه بين الكفار فيما بينهم وبين المؤمنين فيما بينهم، فصح قولنا وبالله تعالى التوفيق. وحرام أخذ شئ من مال مسلم إلا بنص أو إجماع، وأما إن قتل ذمي مسلما عمدا فقد بطلت