الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٣٣
وصح بالنص المذكور أنه إن اتفق الناس أو جاء نص بإيجاب مقدار منا من عرض مسلم أو بشرته أو ماله فهو وجوبه، ثم إن ادعى مدع وجوب زيادة في ذلك ولم يأت على صحة دعواه بنص فهو باطل بيقين، لأنه لا محل ما قد حرم الله تعالى، وكذلك القول فيمن حرم شيئا مما في الأرض حاشا ما جاء في تحريمه نص أو إجماع. وكذلك من فرض شيئا زائدا على ما أوجب أنه فرض نص أو إجماع وكفى بهذا بيانا.
ويلزم من قال بخلاف هذا إن كان مالكيا، أو شافعيا أن يوجب الزكاة في العسل، لان الأمة مجمعة على أن في الأموال زكاة بقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * فيلزمهم ألا يسقط هذا الحق اللازم بإجماع إلا بإجماع آخر، ولزمه إن كان حنفيا أن يوجب الزكاة في الحلي والعوامل بما ذكرنا، ومثل هذا كثير جدا، مسقط أكثر مذاهبهم، ومفسد لجمهور أقوالهم في الصلاة والطهارة والحج وسائر أبواب الفقه كلها، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: إذا قلتم لو كان هذا القول الزائد واجبا لجاء به دليل، فماذا تقولون لمن قال لكم لو كان ساقطا لجاء بإسقاطه دليل، فالواجب: أن هذا قول صحيح وقد نصصنا على الدلائل الواردة بإسقاط كل قول بتحريم، أو بتحليل أو إيجاب حكم لم يأت بصحته نص أو إجماع، وهي الآيات التي تلوناها آنفا فوجب بها أن كل مقدار اتفق على وجوبه أو أخذه فهو واجب، ومن زاد على ذلك بدعواه شيئا فهو مفتر مبطل بتلك النصوص ما لم يأت على صحة دعواه بنص، وهذا أمر جلي لا إشكال فيه، ولا يذهب عنه إلا مخذول أو معاند، وإنما هذا فيما لم يرد فيه نص، وأما ما جاء فيه نص فلا نراعي فيه ما اتفق عليه منه، ولا نبالي بمن خالفنا حينئذ، ولا نراعي فيه استصحاب حال ولا أقل ما قيل فيه. ولكن نأخذ بالنص زائدا كان على ما اتفق عليه، أو ناقصا عنه، أو موافقا له، لان الدليل قد قام حينئذ والبرهان صح على وجوب الانتقال إلى ما جاء به النص، وصح بذلك الاخذ بالزائد على أقل ولو لم ينفرد بالرواية للزائد إلا إنسان واحد ثقة، وخالفه جميع أهل الأرض، لكان القول بما رواه ذلك الواحد واجبا، لأنه محق ولكان فرضا علينا خلاف كل من خالف رواية ذلك الواحد، ولو أنهم جميع أهل الأرض
(٦٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 628 629 630 631 632 633 634 635 636 637 638 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722