وصح بالنص المذكور أنه إن اتفق الناس أو جاء نص بإيجاب مقدار منا من عرض مسلم أو بشرته أو ماله فهو وجوبه، ثم إن ادعى مدع وجوب زيادة في ذلك ولم يأت على صحة دعواه بنص فهو باطل بيقين، لأنه لا محل ما قد حرم الله تعالى، وكذلك القول فيمن حرم شيئا مما في الأرض حاشا ما جاء في تحريمه نص أو إجماع. وكذلك من فرض شيئا زائدا على ما أوجب أنه فرض نص أو إجماع وكفى بهذا بيانا.
ويلزم من قال بخلاف هذا إن كان مالكيا، أو شافعيا أن يوجب الزكاة في العسل، لان الأمة مجمعة على أن في الأموال زكاة بقوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة) * فيلزمهم ألا يسقط هذا الحق اللازم بإجماع إلا بإجماع آخر، ولزمه إن كان حنفيا أن يوجب الزكاة في الحلي والعوامل بما ذكرنا، ومثل هذا كثير جدا، مسقط أكثر مذاهبهم، ومفسد لجمهور أقوالهم في الصلاة والطهارة والحج وسائر أبواب الفقه كلها، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: إذا قلتم لو كان هذا القول الزائد واجبا لجاء به دليل، فماذا تقولون لمن قال لكم لو كان ساقطا لجاء بإسقاطه دليل، فالواجب: أن هذا قول صحيح وقد نصصنا على الدلائل الواردة بإسقاط كل قول بتحريم، أو بتحليل أو إيجاب حكم لم يأت بصحته نص أو إجماع، وهي الآيات التي تلوناها آنفا فوجب بها أن كل مقدار اتفق على وجوبه أو أخذه فهو واجب، ومن زاد على ذلك بدعواه شيئا فهو مفتر مبطل بتلك النصوص ما لم يأت على صحة دعواه بنص، وهذا أمر جلي لا إشكال فيه، ولا يذهب عنه إلا مخذول أو معاند، وإنما هذا فيما لم يرد فيه نص، وأما ما جاء فيه نص فلا نراعي فيه ما اتفق عليه منه، ولا نبالي بمن خالفنا حينئذ، ولا نراعي فيه استصحاب حال ولا أقل ما قيل فيه. ولكن نأخذ بالنص زائدا كان على ما اتفق عليه، أو ناقصا عنه، أو موافقا له، لان الدليل قد قام حينئذ والبرهان صح على وجوب الانتقال إلى ما جاء به النص، وصح بذلك الاخذ بالزائد على أقل ولو لم ينفرد بالرواية للزائد إلا إنسان واحد ثقة، وخالفه جميع أهل الأرض، لكان القول بما رواه ذلك الواحد واجبا، لأنه محق ولكان فرضا علينا خلاف كل من خالف رواية ذلك الواحد، ولو أنهم جميع أهل الأرض