الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٣٢
فإن قلت: إن عدم الدليل على صحة الزيادة على أقل ما قيل هو دليل على صحة القول بأقل ما قيل، فهذا هو نفس قولنا شئت أم أبيت، وبالله تعالى التوفيق.
وقد احتج بعض من ضغط هذا الباب، ممن اضطر إلى الشغب بمثل ما نذكره وشبهه إلى أن قال: ما الفرق بينكم وبين من قال: هذه قصة قد لزم فيها حكم بإجماع، فلا يخرج المرء عما لزم بإجماع إلى سقوطه عنه إلا بإجماع آخر، فالواجب أن يقال بأكثر ما قيل. فيقال له: هذا تمويه فاسد، لأنهما أمران أردت مزجهما وتصييرهما أمرا واحدا. ولا يصح ذلك، لان كون وجوب الحكم في مسألة ما هو شئ آخر غير وجوب مقدار ما في ذلك الحكم. فليس اتفاق الأمة على أن ههنا حكما واجبا مما يوجب في ذلك مقدارا محدودا، بل هذا هو باب آخر، فإذا وجب الحكم نظرنا حينئذ في قدر الحكم فيه بنص وارد، فإن لم يرد نص صرنا فيه إلى الاجماع، فالعدد المتفق عليه واجب قبوله بإجماع، ومن ادعى زيادة كلف الدليل، فإن أتى به لزم اتباعه، وإلا سقط قوله بقول الله تعالى:
* (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) *.
ومن هذا النوع هو علمنا أن علينا دينا وشرائع، إلا أنه من ادعى وجوب شئ ما يدخله في الشرع، لم يلتفت إليه، ولم يجب قبوله إلا بنص أو إجماع، وهكذا علمنا بوجوب حكم ما علينا ليس يوجب قبولنا من كل من حد لنا ذلك الحكم بحد ما، إلا أن يأتي على حده بنص أو إجماع. وهذا كله باب واحد، والأصل أن لا حكم على أحد ولا شيئا حراما على أحد بقوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وبقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم ئ قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) *.
وبقوله صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فلا يحل لاحد من مال أحد ولا من دمه ولا من عرضه ولا من بشرته إلا ما أباحه نص أو إجماع، وما عدا ذلك فباطل بالنصوص التي ذكرنا، فأقل ما قيل في كل ما ذكرنا: هو واجب بالاجماع على وجوبه، وكل زيادة على ذلك فباطل، إلا أن يأتينا مدعيها بنص يصحح قوله.
(٦٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 627 628 629 630 631 632 633 634 635 636 637 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722