الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٣٤
سواء، لأنهم كلهم حينئذ مبطلون يلزمهم قبول رواية ذلك الواحد، الحق أكثر من كل من خالفه، وأولى أن يتبع. قال الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * فعم تعالى ولم يخص، وقال تعالى: * (لا تكلف إلا نفسك) *.
فإن قال قائل: فما تقولون في شاهدين شهد أحدهما لزيد على عمرو بدينار، وشهد له الآخر عليه بدينارين. أتقولون بأقل ما اتفقنا عليه؟.
قال أبو محمد: هذا قد قام البرهان من النص على وجوب القضاء له بالدينار بشهادتهما، ومن نص آخر ثان يقضي له بالدينار الباقي إن حلف المدعى له ما شاهده، فهذا من باب ما قام الدليل على وجوب الحكم بالزيادة فيه، وقد قال بعض من خالفنا: إن القائل بما أخذتم به، من أقل ما قيل لم يقل به، لأنه أقل ما قيل، وإنما قال به لدليل ما أوجبه عنده، فقولوا بدليله حتى نناظركم عليه.
قال أبو محمد: فيقال من قال بهذا، وبالله تعالى التوفيق: إنا لا نتعنى باستدلال المستدلين، لأنه قد يستدل المرء بدليل غير واجب، فيخرجه البحث إلى قول صحيح كما عرض لابن مسعود، إذ سئل عن امرأة توفي عنها زوجها قبل أن يدخل بها وقبل أن يفرض لها صداقا، فقال: بعد شهر أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله تعالى، وإن كان خطأ فالله ورسوله بريئان، ثم أفتى بما وافق الحق من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يكون علمه. فنحن لا نبالي باستدلال ابن مسعود بل لا نقول به أصلا، لكنا نقول بما أخرجه إليه السعد، لأنه وافق قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا وجدنا القائل قد أوجب مقدارا ما، ووافقه على إيجابه جميع العلماء أولهم عن آخرهم، فقد أوجب الله تعالى علينا اتباع الاجماع وأن لا نخالف سبيل المؤمنين وأولي الامر منا. ولا نبالي باستدلاله في ذلك، إذ لم يأمر الله تعالى باتباع استدلال الواحد أو الطائفة من العلماء، وإنما أمرنا تعالى باتباع ما اتفقوا عليه، وترك ما تنازعوا فيه حتى نرده فنحكم فيه القرآن والسنة، فقد فعلنا ذلك، فأخذنا بما أجمعوا عليه وهو أقل ما قيل: لقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) * فلا يحل لمسلم خلاف هذا، وكلفنا من زاد على ذلك المقدار زيادة يتورع فيها أن يأتي ببرهان من النص إن
(٦٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 629 630 631 632 633 634 635 636 637 638 639 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722