الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٣٦
على ذلك فمختلف فيه، وذكروا ما رويناه من طريق يونس بن عبيد أن الحسن البصري قال: دية اليهودي والنصراني ثمانمائة درهم. وقال بهذا المقدار في دية المجوسي خاصة مالك والشافعي. ورووه عن عثمان رضي الله عنه.
واحتج من أوجب في ذلك نصف الدية بروايات عن بعض الصحابة، وآثار من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهي صحيفة لا تصح، وقد اختلف الصحابة في هذا فبطل هذا القول، واحتج من أوجب في ذلك ثلث الدية وهم الشافعي وأصحابه، بأن رووا ذلك عن بعض الصحابة، وقد قلنا إن الصحابة مختلفون في ذلك، فليس بعضهم في ذلك حجة دون بعض.
واحتج في ذلك بعض أصحاب الشافعي بأن ادعى أنه أقل ما قيل، وهذا باطل لما أوردناه من قول الحسن آنفا، وقال بعضهم - ممن يعرف الاختلاف:
لم نقل ذلك لشئ من هذا كله لكن لقوله تعالى: * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) *؟. فوجب ألا يساوى به المسلم ولا المسلمة، فوجب حطه إلى ثلث الدية.
وقال أبو محمد: وهذا احتجاج فاسد البتة، لأنهم يساوون بينهما في أنه إن غصب المسلم مال ذمي أن يغرمه الذمي ما غصب، وفي قطعهما في السرقة، ويحلف كل واحد منهما للآخر في الدعوى.
وأيضا فقد جعلوا دية الذمي أكثر من دية يد المسلمة ومن دية عينها، وساووه بمأمومة الحر المسلم، ولا شك في أن حرمة شعرة من مسلم أعظم من حرمة كل ذمي في الأرض، فكيف عضو من أعضاء المسلم، ونجدهم قد فضلوا على المسلم في بعض المواضع، فقالوا: لا يقتل الكافر الحر إذا قتل عبدا مسلما، فجعلوه ههنا أعظم حرمة من المسلم، وهذا قول سوء تقشعر منه الجلود. ويلزمهم على هذا أن أبا جهل وأبا لهب كانا أعظم حرمة من زيد بن حارثة وبلال بعد إسلامهما، وقبل عتقهما، ومعاذ الله من هذا.
وإنما يجب استعمال قوله عز وجل: * (أعنده علم الغيب فهو يرى) * في أن لا يساوى بينهما في القود أصلا، وأما في الحقوق الواجبة فيما دون الأجسام والكرامة والحرمة فليس التساوي فيها تساويا في القدر، لأنه لا خلاف بين أحد من أن أحكام الأموال يستوي فيها أبو بكر والصحابة وأهل الذمة، وبالله
(٦٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 631 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722