كان صادقا بقوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * فإن جاء ببرهان من القرآن والسنة قبلنا منه، وإلا تركنا قوله، لان من لم يأت ببرهان فليس صادقا لقوله تعالى: * (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) *.
وقد علم كل ذي حس صحيح من الناس أن الاستدلال على القول شئ آخر غير القول المستدل عليه، فقد أدى التقليد أقواما إلى أقوال صحاح والتقليد فاسد، لكن البحث أوقعهم عليها فصادفوا أقوالا فيها أحاديث صحاح لم تبلغهم قط، ولا استدلوا بها. ومن علم كيفية المقدمات علم أن من المقدمات الفاسدة تنتج إنتاجا صحيحا في بعض الأوقات، ولكن ذلك لا يصحب بل يخون كثيرا، وقد بينا هذا في كتابنا الموسوم، بكتاب التقريب بيانا كافيا، والحمد لله رب العالمين كثيرا.
فقد صح بما ذكرنا أنه قد يخطئ في كيفية الاستدلال من يصيب في القول المستدل عليه. وقد صح أيضا أنه قد يصيب المرء في ابتداء الاستدلال، ثم لا يوفيه حقه فيخطئ في القول المستدل عليه، فقد استدل قوم بنصوص صحاح ثم تأولوا فيها ما ليس فيها، وقاسوا عليها ما لم يذكر فيها، وأصابوا في الاستدلال بالنص وأخطأوا في الحكم به فيما ليس موجودا في ذلك النص. وقد استدل سعد رضي الله عنه على تحريم البيضاء جملة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الرطب بالتمر، فصح بهذا أنه ليس علينا اتباع استدلال القائلين بالفتيا، وإنما علينا اتباع الفتيا إن أيدها نص أو إجماع، ولا نبالي أخطأ قائلها في استدلاله عليها أم أصاب. وكذلك يلزمنا ترك الفتيا إذا لم يقم عليها برهان من النص أو الاجماع، وإن استدل قائلها بنص صحيح إلا أنه ظن أن ذلك النص يوجب ما أفتى به. وذلك النص في الحقيقة غير موجب لتلك الفتيا، وأيضا فإن من المسائل مسائل ليس يروى فيها نص، وإنما هي إجماع مجرد على أمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم، كإجماع الناس على القراض، وكإجماع طوائف من الناس على الايجاب في دية الذمي إذا قتله ذمي ثمانمائة درهم، أو ستة أبعرة وثلثي بعير، واختلف آخرون في الزيادة على ذلك إلى أن ساواه قوم بدية المسلم، وقال آخرون: نصف دية المسلم، وقال آخرون: ثلث دية المسلم، فاحتج الموجبون في ذلك ثمانمائة درهم أو ستة أبعرة وثلثي بعير، بأن قالوا: هذا مجمع على وجوبه، وما زاد