فلم يبن له أي الامرين تغلب، فأخبر عن ظاهر الآية الواحدة أنها قد تحتمل أن تكون محللة لهما مخصوصة من الأخرى، وأن ظاهر الثانية قد يحتمل أن يكون محرما لهما، مخصصا من الأخرى فوقف في ذلك، واحتجوا بقوله عليه السلام: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر.
قال أبو محمد: وهذا من طريق ما احتج به من لا يعقل ولا يحل له الكلام في العلم، لان نص الحديث بكلامه صلى الله عليه وسلم أن المجتهد يخطئ، وإذا أخطأ فهذا قولنا لا قولهم، وليس مأجورا على خطأه، والخطأ لا يحل الاخذ به، ولكنه مأجور على اجتهاده الذي هو حق، لأنه طلب للحق، وليس قول القائل برأيه اجتهادا، وأما خطأه فليس مأجورا عليه، لكنه مرفوع في الاثم بقوله تعالى: * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * واحتجوا بالصواب في اختلاف القراءات وبالأشياء المباحات في الكفارات، وأنها كلها حق على اختلافها.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان القراءات المختلفة ليست متنافية، ونحن لم ننكر الصواب فيما لا يتنافى ولا فيما أمر به تعالى، وإنما أنكرنا أن يكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حلال حقا، ويكون قال القائل لحم السبع على غير المضطر حرام حقا، فيكون الشئ حراما حلالا، طاعة معصية، مأمورا به منهيا عنه في وقت واحد، لانسان واحد، من وجه واحد، فهذا الذي نفينا وأبطلنا، وهذا لا يسع في عقل من له مسكة من عقل، لأنه غاية الامتناع الذي لا يتشكل في النفس فضلا عن أن يطلق استعماله.
واختلاف القراءات التي ذكروا مثل: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * يقرأ بها بعض القراء في أوائل السور، ويسقطها بعضهم، فكل ذلك مباح، من أسقطها فقد أبيح له، ومن قرأها فقد أبيح له، وكذلك المخبر في كفارة الايمان هي العتق والاطعام والكسوة، فليس شئ من ذلك متنافيا، وأيها فعل المرء فقد فعل ما أبيح له، ولم يقل أحد إنه لو فعل الوجه الذي ترك لكان مخطئا، وهذا غير ما اختلفنا فيه، لأنه قد تكون أشياء كثيرة مباحة، وغير ممكن أن يكون شئ واجبا تركه، وواجبا فعله على إنسان واحد في وقت واحد، وهذا فرق لا يشكل إلا على جاهل.
واحتجوا أيضا بأن قالوا: قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أثر غزوة الخندق