الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٤٨
فلم يبن له أي الامرين تغلب، فأخبر عن ظاهر الآية الواحدة أنها قد تحتمل أن تكون محللة لهما مخصوصة من الأخرى، وأن ظاهر الثانية قد يحتمل أن يكون محرما لهما، مخصصا من الأخرى فوقف في ذلك، واحتجوا بقوله عليه السلام: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر.
قال أبو محمد: وهذا من طريق ما احتج به من لا يعقل ولا يحل له الكلام في العلم، لان نص الحديث بكلامه صلى الله عليه وسلم أن المجتهد يخطئ، وإذا أخطأ فهذا قولنا لا قولهم، وليس مأجورا على خطأه، والخطأ لا يحل الاخذ به، ولكنه مأجور على اجتهاده الذي هو حق، لأنه طلب للحق، وليس قول القائل برأيه اجتهادا، وأما خطأه فليس مأجورا عليه، لكنه مرفوع في الاثم بقوله تعالى: * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * واحتجوا بالصواب في اختلاف القراءات وبالأشياء المباحات في الكفارات، وأنها كلها حق على اختلافها.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان القراءات المختلفة ليست متنافية، ونحن لم ننكر الصواب فيما لا يتنافى ولا فيما أمر به تعالى، وإنما أنكرنا أن يكون قول القائل لحم السبع على غير المضطر حلال حقا، ويكون قال القائل لحم السبع على غير المضطر حرام حقا، فيكون الشئ حراما حلالا، طاعة معصية، مأمورا به منهيا عنه في وقت واحد، لانسان واحد، من وجه واحد، فهذا الذي نفينا وأبطلنا، وهذا لا يسع في عقل من له مسكة من عقل، لأنه غاية الامتناع الذي لا يتشكل في النفس فضلا عن أن يطلق استعماله.
واختلاف القراءات التي ذكروا مثل: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * يقرأ بها بعض القراء في أوائل السور، ويسقطها بعضهم، فكل ذلك مباح، من أسقطها فقد أبيح له، ومن قرأها فقد أبيح له، وكذلك المخبر في كفارة الايمان هي العتق والاطعام والكسوة، فليس شئ من ذلك متنافيا، وأيها فعل المرء فقد فعل ما أبيح له، ولم يقل أحد إنه لو فعل الوجه الذي ترك لكان مخطئا، وهذا غير ما اختلفنا فيه، لأنه قد تكون أشياء كثيرة مباحة، وغير ممكن أن يكون شئ واجبا تركه، وواجبا فعله على إنسان واحد في وقت واحد، وهذا فرق لا يشكل إلا على جاهل.
واحتجوا أيضا بأن قالوا: قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أثر غزوة الخندق
(٦٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 643 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722