إلا ما ألزمنا إياه نص أو إجماع، فإن حكم حاكم بخلاف ما قلنا فسخ حكمه، وورد بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
قال أبو محمد: فإذ قد ثبت كل ما ذكرنا بالبراهين الضرورية، فقد ثبت أن كل ما لا يصح بصفة ما وشرط ما، وعقد ما، ففسدت تلك الصفة وذلك الشرط وذلك العقد في حين التعاقد، فإن ذلك الشئ لا يصح أبدا، ويبطل ذلك العقد ويفسخ أبدا لان ما تعلقت صحته بما لا يجوز فلا صحة له، إذ لم يصح ما لا تمام له إلا به، وهذا أمر يعم بالضرورة، وبذلك وجب إبطال كل نكاح انعقد بشرط فاسد أو بصفة فاسدة، وكذلك كل بيع انعقد على ما لا يجوز فإن كل ذلك يفسخ أبدا ووجب بذلك بطلان كل صلاة صليت في مكان مغصوب يعلم المصلي فيه أنه مغصوب وكل صلاة فعل فيها المرء ما لا يجوز له، وبذلك حرمت ذبيحة الغاصب والسارق والمعتدي وبسكين مغصوبة، وبالله تعالى التوفيق.
وصح بهذا كله أن كل عقد أو عهد أو نذر أو شرط أوجبها أو أباح إيجابها نص، فإنها نافذة لازمة، فمن ادعى سقوط شئ من ذلك فقوله باطل وكل ذلك باق بحسبه لازم كما كان، إلا أن يأتي مدعي بطلانه بنص على بطلانه، فيجب الوقوف حينئذ عند ما أوجبه النص، مثال ذلك: أن الإجارة عقد قد جاء النص بجوازه وإباحة التزامه، وصح الدليل من النص والاجماع، على أن الإجارة إلى غير أجل وعلى غير عمل محدود باطل مردودة لا تجوز، لأنها أكل مال بالباطل، والإجارة على ما ذكرنا حرام مردودة بإجماع الأمة كلها من مجيز لها ومن مانع منها وبالنص.
ولا بد أن تكون الإجارة إلى أجل معلوم، أو إلى غير أجل، ولا سبيل إلى قسم ثالث بوجه من الوجوه، وقد بطل أحد القسمين المذكورين، فوجب ضرورة - إذ قد جاء النص بإباحة الإجارة - أن يصح القسم الآخر فصح وجوب ذكر الاجل المسمى في الإجارة ضرورة بالنص، وبمقدمتي الاجماع اللتين، ذكرنا فإذ قد صح ذلك فذكر الاجل في عقد الإجارة شرط صحيح، وإذا كان ذلك فقد ثبت عقده وما ثبت عقده الآن، فلا يبطل في ثان إلا بنص، فصح أن لا رجوع للمؤاجر ولا للمستأجر فيما عقدوه، ما داموا أحياء، وما لم ينتقل ملك الشئ المستأجر عن المؤاجر له، وما كانت عين ذلك الشئ قائمة. فإن انتقل الملك