قال أبو محمد: وهذا باطل، لأنه صار بهذا القول قافيا ما ليس له به علم، ومثبتا حكما بلا برهان، وهذا حرام بنص القرآن وإجماع الأمة، وكل من خالفنا في هذا الأصل فإنه يتناقض ضرورة ويرجع إلى القول به. ألا ترى أننا اتفقنا كلنا على إيجاب خمس صلوات وادعى قوم أن الوتر فرض فوجب الانقياد لما اجتمعوا عليه، وترك ما اختلفوا فيه، إلا أن يأتوا بدليل على ما زادوا. وكذلك اتفقنا على أن في خمسين من البقر بقرة، وقال قوم: في كل خمس بقرات شاة، وقال قوم:
في الثلاثين تبيع وفي الأربعين، وقال قوم: فيما زاد على الأربعين بحساب ذلك بجزء من بقرة، فوجب الاخذ بما اتفقوا عليه، وترك ما اختلفوا فيه، إذا لم يأتوا بدليل على ما ادعوا من ذلك. ووجب أن يلزم أحدا إلا البقرة في خمسين، وهي المتفق عليه منهم ومن غيرهم، لا ما زاد في إيجاب الغرامة في ذلك.
ثم نقول لمن خالفنا في هذا الأصل: أرأيت إن اجتمع الناس على مقدار ما؟
ثم قال قوم بأزيد منه، ولم يأتوا على صحة قولهم بدليل: هل لك بد من ثلاثة أوجه لا رابع لها، إما أن تقول بما أجمعوا عليه، وبترك ما اختلفوا فيه، وهو قولنا هذا الذي خالفتنا فيه، أو تأخذ بأكثر ما قيل بلا دليل فتصير قافيا ما ليس لك به علم ومثبتا حكما بلا برهان، فهذا حرام بنص القرآن، وبإجماع الأمة، لم يقل به أحد، ويصير قائله منتهكا إما عرضا حراما، وإما مالا حراما، وإما موجبا شرعا لم يأذن به الله تعالى، وكل ذلك حرام لا يحل أصلا. وإما أن يترك هذين القولين فيفارق الاجماع جملة، ويأتي أيضا بقول لم يقله أحد فإذ قد سقط هذان القولان بالضرورة البرهانية، صح القول الأول ضرورة بيقين لا بد منه، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل: لا يجوز أن يخلو أحد القولين من دليل عليه، إما أن يقوم الدليل على صحة القول بالمقدار الأقل، وإما أن يقوم الدليل على صحة الزيادة عليه.
قال أبو محمد: لسنا نحتاج إلى التطويل معه ههنا، لكنا نقول، وبالله تعالى التوفيق، لسنا ننازعك فيما قام الدليل عليه، وإنما نسألك عن مسألة قال فيها قوم بمقدار ما، وقال آخرون بزيادة لا دليل عليها بأيديهم - شرط أن تكون المسألة من مسائل الاجماع المجرد التي قد أحال النص فيها على طاعة أولي الامر منا على اتباع سبيل المؤمنين.