ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقال تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * وقال تعالى: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فإذا وردت الأقوال، فاتبع كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم الذي هو بيان عما أمرنا الله تعالى به، وما أجمع عليه جميع المسلمين، فهذا هو صراط الله تعالى وحبله الذي إذا تمسكت به أخرجك من الفرقة المذمومة ومن الاختلاف المكروه إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى، وهذا هو الذي أجمع عليه جميع أهل الاسلام قديما وحديثا، فإن لم يكن قط مسلم إلا ومن عقده وقوله: إن كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه السلام فرض قبوله، وأنه لا يحل لاحد معارضته بشئ من ذلك ولا مخالفته، وبقيت سائر الأقوال المأخوذة من تقليد فلان وفلان، ومن القياس، ومن الاستحسان، وهي الاختلاف المذموم الذي لا يحل اتباعه، فمن تركها فقد ترك الاختلاف، وأصحاب أولئك الأقوال كلها مأمورون بتركها والرجوع إلى حبل الله تعالى وصراطه، فإذا تركوها فقد تركوا الاختلاف والفرقة، ورجعوا إلى الفرض عليهم من الاتفاق اللازم، ولهذا قلنا بفسخ قضاء كل قاضي قضى به بخلاف النص، وسواء قال به طوائف من العلماء أو لا، قال الله عز وجل: * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * فاستثنى تعالى من رحم من جملة المختلفين، وأخرج المرحومين من جملة المختلفين وعديدهم، ومن ظن أن قوله تعالى: * (ولذلك خلقهم أنه يعني وللرحمة خلقهم، وأرادوا بذلك استباحة الاختلاف، فهو في غاية الفساد ببرهانين ضروريين.
أحدهما: أن الله تعالى استثنى من رحم فأخرجهم من جملة المختلفين، فلو أنه تعالى خلق المختلفين للرحمة لاستثنى المرحومين من أنفسهم، ولأخرجهم من جملة أنفسهم، وهذا باطل لا يجوز ومحال في الكلام لا يفهم.
والبرهان الثاني: أن المختلفين موجودون، وكل موجود عن حالة ما، فلا شك عند كل مسلم أنه تعالى إنما خلقه ليكون على تلك الحالة، وصح يقينا بلا مرية أنه الاختلاف الذي هم عليه بالعيان خلقهم، إلا أن يقول قائل: إن الضمير الذي في خلقهم وهو الهاء والميم راجع إلى من رحم، فيكون المراد حينئذ استثناء المرحومين