الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٤٦
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) وقال تعالى: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * وقال تعالى: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فإذا وردت الأقوال، فاتبع كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم الذي هو بيان عما أمرنا الله تعالى به، وما أجمع عليه جميع المسلمين، فهذا هو صراط الله تعالى وحبله الذي إذا تمسكت به أخرجك من الفرقة المذمومة ومن الاختلاف المكروه إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى، وهذا هو الذي أجمع عليه جميع أهل الاسلام قديما وحديثا، فإن لم يكن قط مسلم إلا ومن عقده وقوله: إن كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه السلام فرض قبوله، وأنه لا يحل لاحد معارضته بشئ من ذلك ولا مخالفته، وبقيت سائر الأقوال المأخوذة من تقليد فلان وفلان، ومن القياس، ومن الاستحسان، وهي الاختلاف المذموم الذي لا يحل اتباعه، فمن تركها فقد ترك الاختلاف، وأصحاب أولئك الأقوال كلها مأمورون بتركها والرجوع إلى حبل الله تعالى وصراطه، فإذا تركوها فقد تركوا الاختلاف والفرقة، ورجعوا إلى الفرض عليهم من الاتفاق اللازم، ولهذا قلنا بفسخ قضاء كل قاضي قضى به بخلاف النص، وسواء قال به طوائف من العلماء أو لا، قال الله عز وجل: * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) * فاستثنى تعالى من رحم من جملة المختلفين، وأخرج المرحومين من جملة المختلفين وعديدهم، ومن ظن أن قوله تعالى: * (ولذلك خلقهم أنه يعني وللرحمة خلقهم، وأرادوا بذلك استباحة الاختلاف، فهو في غاية الفساد ببرهانين ضروريين.
أحدهما: أن الله تعالى استثنى من رحم فأخرجهم من جملة المختلفين، فلو أنه تعالى خلق المختلفين للرحمة لاستثنى المرحومين من أنفسهم، ولأخرجهم من جملة أنفسهم، وهذا باطل لا يجوز ومحال في الكلام لا يفهم.
والبرهان الثاني: أن المختلفين موجودون، وكل موجود عن حالة ما، فلا شك عند كل مسلم أنه تعالى إنما خلقه ليكون على تلك الحالة، وصح يقينا بلا مرية أنه الاختلاف الذي هم عليه بالعيان خلقهم، إلا أن يقول قائل: إن الضمير الذي في خلقهم وهو الهاء والميم راجع إلى من رحم، فيكون المراد حينئذ استثناء المرحومين
(٦٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 651 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722