لاحد أن يعقدها بغير تلك الصفة، فإن فعل فليس نكاحا ولا بيعا، وهو مردود مفسوخ أبدا. ومن عقدهما كما أمر فليس له فسخهما إلا بالصفة التي أتى النص بفسخهما بها، وإلا كان فسخه باطلا مردودا، وثبت عقدهما كما كان، وقد حرم بيع أم الولد بالنص الوارد في ذلك مما قد ذكرناه في كتاب الايصال وفي المحلى، فلم يلتفت إلى الخلاف في ذلك. وقد صح النص بجواز الهبة ووجوب قبولها، وتحريم الرجوع فيها، فلم يجز الرجوع في شئ من الهبة ولا الصدقة من ذلك حاشا العطية للولد فقط، للنص في ذلك، ولم يأت نص ولا إجماع على رد الحبس لا بتراض ولا بغير تراض فلم يجز أصلا.
قال أبو محمد: فإن قال قائل: أنتم لا تلزمون أحدا الوفاء بعهده ووعده إلا أن يوجب ذلك عليه نص، ومن مذهبكم أن وعد الله تعالى ووعيده نافذان لا سبيل إلى دخول خلف فيهما. فالجواب: أن هذا الذي نقول هو الذي لا يجوز تعديه، لأننا متعبدون ليس لنا أن نلتزم شيئا إلا ما ألزمنا خالقنا تعالى، فإلزامنا فعل شئ لم يأتنا نص ولا إجماع بأن نفعله باطل، والله تعالى ليس كذلك، لأنه ليس فوقه أمر فكل ما قضى به نافذ وكل ما قاله فحق. وأيضا فوعدنا نحن ليس خبرا لأنه لا علم لنا بما يكون في المستأنف، والله تعالى ليس كذلك، لأنه عليم بما يكون قبل أن يكون، فكل ما أخبر تعالى أنه يفعله فلا بد أن يفعله، ومن أجاز غير ذلك أجاز على الله تعالى الكذب في خبره، تعالى الله عن ذلك قال الله عز وجل: * (قال فالحق والحق أقول) * ما خالف الحق فهو باطل تعالى الله عن الباطل، فوعد الله تعالى ووعيده خبر لا بد من كونه لأنه حق وصدق وعلم منه تعالى بما يكون من ذلك، وعلمه صادق لا يخيس أصلا. ولا يظن ظان أننا نقول بالوعيد كقول المعتزلة: من إبطال سيئة واحدة للحسنات، ومن الخلود على المصر على الكبائر، ومعاذ الله من ذلك. ولكنا نقول بما جاء به النص من الموازنة، وذهاب السيئات بالحسنات، بمعنى أن الحسنات تذهب السيئات، وبأن من استوت حسناته وسيئاته، أو رجحت حسناته لم ير نار أصلا، ولكن من رجحت سيئاته وكبائره ممن مات مصرا فهؤلاء الذين يخرجون من النار بالشفاعة، ولا خلود على مسلم في النار، ولا يدخل الجنة كافر أبدا، وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.