ما صح في أول لم يبطل في ثان إلا بنص أو إجماع، وكذلك الحبس والهبات والصدقات والعمري كل ذلك قد بان عن الملك، فالرجوع فيه كسب على غيره وقد جاء النص ببطلان ذلك، قال الله تعالى: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) * وأما القرض المؤجل فقد صح النص فيه بالأجل، وإذا صح بالنص فهو ثابت فلا رجوع لاحد فيه إذا كان شرط الاجل في حين القرض لقوله تعالى: * (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فإن انعقد حالا، ثم شرط على نفسه أجلا فهو شرط فاسد لا يلزمه، والدين حال كما كان، لأنه شرط ليس في كتاب الله، ولا أجمع على لزومه فهو باطل.
وأما المزارعة والمساقاة المعقودتان إلى أجل فقد ادعى قوم أن كل من أجازهما - وهم أهل الحق - قد أجازوهما إلى أجل مسمى، فالاجل فيهما شرط صحيح. وإذا كان صحيحا في حين العقد فهو لازم، وإذا كان لازما في وقته لم يبطل في ثانية إلا بنص أو إجماع، ولا نص ولا إجماع في ذلك إلا بتراضيهما معا، للاجماع على جواز ذلك.
قال أبو محمد: وهذا خطأ، بل قد صح الاجماع على عقدهما بغير أجل، ولم يأت عن أحد من الصحابة، ولا من التابعين تجويزهما إلى أجل فعقدهما إلى أجل لا يجوز البتة، لأنه لم يوجد نص ولا إجماع، فهو شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل بحكم النبي صلى الله عليه وسلم. وليس تراضي المتعاقدين عقدا صحيحا، أو المتشارطين شرطا صحيحا، بنص أو إجماع ثم تراضيا معا على فسخه أو تأجيله، مجيزا لهما ذلك، بل رضاهما بفسخه أو تأجيله، باطل، والعقد والشرط باق كما كان، إلا أن يبيح لهما النص أن يتراضيا على فسخه، فيكون لهما ذلك حينئذ، وإلا فلا، لأنه ليس لأحد أن يوجب، ولا أن يحرم، ولا أن يحلل إلا بنص، ومن تعدى ذلك فقد تعدى حدود الله تعالى، وشرع من الدين ما لم يأذن به الله، قال الله تعالى: * (أم للانسان ما تمنى) *، والكل عبيد لا أمر لهم ولا حكم إلا ما حكم به عليهم، ولهم خالقهم ومولاهم عز وجل.
وأما النكاح والبيع فقد جاء النص بصفة عقدهما، وبصفة فسخهما، فليس