ثم قالوا: إن حكم خصمان بينهما رجلا من عرض المسلمين لا سلطان له، فحكم بينهما برضاهما، ثم امتنع أحد الخصمين، قالوا: ذلك الحكم لازم لهما ورضاهما به أو لا جائز عليهما.
وهذا كله ينقض بعضه بعضا، قالوا: فإن شرط على مكاتبه وصفاء غير موصوفين، قالوا: ذلك شرط جائز لازم، قالوا: فإن تشارطا برضا منهما أن ما ولد للمكاتب بل تمام أداء كتابته من ولد، فإنهم غير داخلين في الكتابة.
قالوا: هذا شرط لا يلزم ولا يجوز هذا هو قولهم إن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وأنه إن عجز عاد رقيقا، قالوا: فإن شرط على مكاتبه أضاحي مسماة، وعملا معروفا. وخدمة محدودة وكسوة، ثم أدى بالمكاتب نجومه مجموعة قبل حلول الاجل المشترط، أجبر السيد على قبضها وعجل العتق للمكاتب وبطلت شروطهما في الآجال التي اتفقت الأمة على أنها شروط جائزة لازمة.
قالوا: وسقط شرط الخدمة والعمل والسفر بلا عوض يكلفه المكاتب، ولم يسقط شرط الأضحية والكسوة ولا يلزم أيضا، لكن يقول كل ذلك ويدفع قيمته مع ما عجل من نجوم كتابته، فأبطلوا شرط الآجال الذي صححه الله تعالى بلا دليل، وتكلموا في سائر الشروط، فأبطلوا بعضها وعوضوا من بعضها كل ذلك تحكم بلا دليل، ولكن تناقض لا معنى له.
فإن تعلقوا في إسقاط أجل المكاتب بعمر بن الخطاب - إذ أجبر أنسا على تعجيل عتق مكاتبه، إذ عجل له النجوم كلها - قيل لهم هذا: عجب من العجب، هذه قضيتان اختلف فيهما عمر وأنس، فخالفتم عمر حيث لا يحل خلافه، واتبعتم أنسا في إحدى القضيتين، ثم خالفتم أنسا حيث لا يحل خلافه في القضية الثانية وتعلقتم بعمر، وذلك أن عمر أجبر أنسا على مكاتبة سيرين فكان القرآن يشهد لعمر في هذه القضية بالصواب بقوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * فخالفتم عمر وقلتم: لا يجوز أن يجبر السيد على مكاتبة عبده، وإن علم فيه كل خير ثم أجبر عمر أنسا على إسقاط الآجال في المكاتب، وتعجيل عتقه إذا عجل المكاتب كل ما عليه، وأنس يأبى ذلك، والنص يشهد لانس في هذه القضية بالصواب، لان هذا العقد في الآجال المشترطة في الكتابة داخلة في العقود التي اجتمعت الأمة على جوازها،