الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧٣٧
علينا الاقرار بالأنبياء السالفين، وبأنهم بعثوا إلى قومهم بالحق لا إلى كل أحد ولم يكتب علينا العمل بشرائعهم.
واحتجوا بدعائه صلى الله عليه وسلم بالتوراة يوم رجم اليهوديين، وأنه عليه السلام سألهم: ما تجدون في التوراة؟ فلما أخبروه بالرجم وأنهم تركوه قال عليه السلام: أنا أول من أحيا أمر الله تعالى.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، بل هو تأويل سوء ممن تأوله، لأنه عليه السلام بلا شك في شريعته المنزلة عليه قد أمر برجم من أحصن من الزناة، وإنما دعا صلى الله عليه وسلم بالتوراة حسما لشغب اليهود، وتبكيتا لهم في تركهم العمل بما أمروا به، وإعلاما لهم بأنهم خالفوا كتابهم الذي يقرون أنه أنزل عليهم.
ومن قال: إنه صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين اتباعا للتوراة، لا لأمر الله تعالى له برجم كل من أحصن من الزناة في شريعته المنزلة عليه، فقد كفر وفارق الاسلام وحل دمه، لأنه ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم عصيان ربه فيما أمره به في شريعته المنزلة عليه، إذ تركها واتبع ما أنزل في التوراة. وقد أخبر تعالى أن اليهود يحرفون الكلم عن مواضعه، فمن الكفر العظيم أن يقول من يدعي أنه مسلم:
إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بكتاب قد أخبر أنه محرف.
ووالله إن العجب ليعظم ممن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بما في التوراة في رجم يهوديين زنيا، وهو يرفع نفسه الخسيسة عن هذا، فيقول:
إن قدم إلي يهوديان زنيا لم أقم عليهما الحد، ورددتهما إلى أهل دينهما، فهو يترفع عما يصف به نبيه ص)، نبرأ إلى الله تعالى من نصر كل مذهب يؤدي إلى مثل هذه البوائق والكبائر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
واحتجوا بما روي: أنه صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته كما يفعل أهل الكتاب، ثم فرقها بعده، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شئ.
قال أبو محمد: وهذا الحديث من أقوى الحجج عليهم، لأنه نص فيه على أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شئ، فصح أنه عليه السلام إنما كان يفعل ذلك في المباح له فعله، وتركه مما لم ينه عنه ولا
(٧٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 732 733 734 735 736 737 738 739 740 741 742 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722