فعلمنا أن الشرائع التي بعث بها موسى عليه السلام لم تلزم غير بني إسرائيل حاشا التوحيد وحده على ما بينا قبل، وعلى ما بينه تعالى إذ يقول: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *، * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) *.
قال أبو محمد: فصح بهذه الآية أيضا أن الذي تساوى فيه كل من ذكر الله من النبيين هو اللازم لنا وليس ذلك إلا التوحيد وحده، وإلا فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أن شرائعهم كانت مختلفة فسقط عنا بذلك جميع شرائعهم إلا الذي سوى بينهم فيه وهو التوحيد فقط.
ومن ألزمنا شرائع الأنبياء قبلنا، فقد أبطل فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وأكذبه في إخباره أنه لم يبعث نبي إلا إلى قومه خاصة حاشا، لان خصومنا يريدون منا اتباع شرائع من قبلنا فيوجبون بذلك أنهم مبعوثون إلينا، وهذا الباطل والكذب.
ويبين هذا أيضا قوله تعالى: * (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) * وهذه صفة فعل الله تعالى الذي لم يزل حكمه موصوفا بها في خلقه في علمه وقال تعالى: * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ئ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) *.
قال أبو محمد: هذه كافية في هذا الباب لأنه تعالى ما سوى بينهم فيه وهو عبادة الله تعالى وحده والاقرار بأنه الاله وحده ثم أخبرنا تعالى أنه لا يسألنا عما كان أولئك الأنبياء يعملون، وإذا لم نسأل عن عملهم فقد تيقن كل ذي حس سليم أن ما لا نسأل عنه، فإنه غير لازم لنا، ولو كان لنا لازما لسئلنا عنه.
فصح بهذا كله ما ذكرنا وهي براهين ضرورية لا محيد عنها وأعمالهم هي شرائعهم التي بعثوا بها فقد سقط عنا بالنص طلبها، وإذ سقط عنا طلبها فقد سقط عنا حكمها، إذ لا سبيل إلى التزام حكم شئ إلا بعد معرفته، ولا سبيل إلى معرفته إلا بعد طلبه، وبالله تعالى التوفيق.