الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٧٣٩
فعلمنا أن الشرائع التي بعث بها موسى عليه السلام لم تلزم غير بني إسرائيل حاشا التوحيد وحده على ما بينا قبل، وعلى ما بينه تعالى إذ يقول: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *، * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) *.
قال أبو محمد: فصح بهذه الآية أيضا أن الذي تساوى فيه كل من ذكر الله من النبيين هو اللازم لنا وليس ذلك إلا التوحيد وحده، وإلا فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أن شرائعهم كانت مختلفة فسقط عنا بذلك جميع شرائعهم إلا الذي سوى بينهم فيه وهو التوحيد فقط.
ومن ألزمنا شرائع الأنبياء قبلنا، فقد أبطل فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وأكذبه في إخباره أنه لم يبعث نبي إلا إلى قومه خاصة حاشا، لان خصومنا يريدون منا اتباع شرائع من قبلنا فيوجبون بذلك أنهم مبعوثون إلينا، وهذا الباطل والكذب.
ويبين هذا أيضا قوله تعالى: * (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم) * وهذه صفة فعل الله تعالى الذي لم يزل حكمه موصوفا بها في خلقه في علمه وقال تعالى: * (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ئ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) *.
قال أبو محمد: هذه كافية في هذا الباب لأنه تعالى ما سوى بينهم فيه وهو عبادة الله تعالى وحده والاقرار بأنه الاله وحده ثم أخبرنا تعالى أنه لا يسألنا عما كان أولئك الأنبياء يعملون، وإذا لم نسأل عن عملهم فقد تيقن كل ذي حس سليم أن ما لا نسأل عنه، فإنه غير لازم لنا، ولو كان لنا لازما لسئلنا عنه.
فصح بهذا كله ما ذكرنا وهي براهين ضرورية لا محيد عنها وأعمالهم هي شرائعهم التي بعثوا بها فقد سقط عنا بالنص طلبها، وإذ سقط عنا طلبها فقد سقط عنا حكمها، إذ لا سبيل إلى التزام حكم شئ إلا بعد معرفته، ولا سبيل إلى معرفته إلا بعد طلبه، وبالله تعالى التوفيق.
(٧٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 733 734 735 736 737 738 739 740 741 742 743 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722