وأما شريعة إبراهيم عليه السلام فهي شريعتنا هذه بعينها، ولسنا نقول: إن إبراهيم بعث إلى الناس كافة، وإنما نقول: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة بالشريعة التي بعث تعالى بها إبراهيم عليه السلام إلى قومه خاصة دون سائر أهل عصره، وإنما لزمتنا ملة إبراهيم، لان محمدا صلى الله عليه وسلم بعث بها إلينا، لا لان إبراهيم عليه السلام بعث بها قال تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * وقال تعالى: * (بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) *.
قال أبو محمد: فانبلجت المسألة والحمد لله رب العالمين.
ونسخ الله تعالى عنا بعض شريعة إبراهيم كما نسخ أيضا عنا بعض ما كان يلزمنا من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن ذلك ذبح الأولاد نسخ عنه عليه السلام كما نسخ عنا أيضا بقوله تعالى: * (ولا تقتلوا أولادكم) * وبقوله تعالى: * (وإذا الموؤودة سئلت ئ بأي ذنب قتلت) * وبقوله تعالى: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * ونسخ الاستغفار للمشركين بقوله تعالى: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) * وبقوله تعالى: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بالاستغفار، كما وعد إبراهيم عليه السلام أباه بالاستغفار حتى نهى الله تعالى كليهما عن ذلك.
وأما قول إبراهيم عليه السلام لقومه إذ رأى الكوكب * (هذا ربي) * فإنما كان تقريرا لهم تبكيتا لا استدلالا ومعاذ الله أن يقول إبراهيم بالعبودية لاحد دون الله تعالى، ومن كان مثل إبراهيم سبقت له من الله تعالى سابقة علم في انتخابه للرسالة والخلة لا يستدل بكبر الشمس على ربوبيتها وهو يرى الفلك أكبر منها، فصح أن ذلك توبيخ لهم على فساد استدلالهم في عبادتهم للنجوم، وأن هذا إنما هو كما قال: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * أي عند نفسك في الدنيا وعند قومك المغرورين وإلا فهو في تلك الحال الدليل المهان وقال قوم متكلفون