أنبأ عروة بن الزبير: أن حكيم بن حزام أخبره، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير. وبه إلى مسلم: ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان هو ابن عيينة، عن عبد الله بن عمير، عن عبد الله ابن الحارث - هو ابن نوفل - قال: سمعت العباس بن عبد المطلب يقول: قلت يا رسول الله: إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح. وقد رواه أيضا وكيع، ويحيى ابن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير بالسند المذكور، ورواه أيضا عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب قال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه.
قال أبو محمد: قال الله تعالى: * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) * وقال تعالى: * (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * وقال تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * فصح بالضرورة أنه لا أشد إلا بالإضافة إلى ما هو أقل منه، وأن الدرك الأسفل له درك أعلى، لان كل ذلك من باب الإضافة.
وصح يقينا بقوله تعالى: * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * أن الناس في الجنة يتفاضلون على مقدار أعمالهم، وأنهم في النار أشد عذابا من بعض، والنصوص التي ذكرناها تشهد بذلك، وصح أن من عمل خيرا وهو كافر ثم أسلم، فإن ذلك الخير محسوب له، مكتوب، وهو مثاب عليه ومأجور، وأن من عمل سوءا في كفره، ثم أسلم ولم يقلع عن تلك السيئات فإنها كلها مكتوبة عليه محسوبة، وهو معاقب عليها، وهذا نص كلام الله تعالى الذي تلونا، ونص فتيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن ذلك، وهذا ما لا يحل لاحد خلافه. وقد اعترض قوم في مخالفة ذلك بقوله تعالى: * (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) *. قاله أبو محمد: وهذا لا حجة فيه بل هو حجة لنا، لأنه إنما نص أنه إنما يغفر ما انتهى عنه، ومن تمادى على إساءته في إسلامه فلم ينته فلم يستحق أن يغفر له ما قد سلف، وإنما يغفر له الشرك الذي انتهى عنه فقط، ولو انتهى عن سائر إساءاته لغفرت له أيضا، وهذا نص الآية التي احتجوا بها.