الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٨٣
أنبأ عروة بن الزبير: أن حكيم بن حزام أخبره، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير. وبه إلى مسلم: ثنا ابن أبي عمر، ثنا سفيان هو ابن عيينة، عن عبد الله بن عمير، عن عبد الله ابن الحارث - هو ابن نوفل - قال: سمعت العباس بن عبد المطلب يقول: قلت يا رسول الله: إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح. وقد رواه أيضا وكيع، ويحيى ابن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير بالسند المذكور، ورواه أيضا عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في أبي طالب قال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه.
قال أبو محمد: قال الله تعالى: * (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) * وقال تعالى: * (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * وقال تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * فصح بالضرورة أنه لا أشد إلا بالإضافة إلى ما هو أقل منه، وأن الدرك الأسفل له درك أعلى، لان كل ذلك من باب الإضافة.
وصح يقينا بقوله تعالى: * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * أن الناس في الجنة يتفاضلون على مقدار أعمالهم، وأنهم في النار أشد عذابا من بعض، والنصوص التي ذكرناها تشهد بذلك، وصح أن من عمل خيرا وهو كافر ثم أسلم، فإن ذلك الخير محسوب له، مكتوب، وهو مثاب عليه ومأجور، وأن من عمل سوءا في كفره، ثم أسلم ولم يقلع عن تلك السيئات فإنها كلها مكتوبة عليه محسوبة، وهو معاقب عليها، وهذا نص كلام الله تعالى الذي تلونا، ونص فتيا النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن ذلك، وهذا ما لا يحل لاحد خلافه. وقد اعترض قوم في مخالفة ذلك بقوله تعالى: * (إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) *. قاله أبو محمد: وهذا لا حجة فيه بل هو حجة لنا، لأنه إنما نص أنه إنما يغفر ما انتهى عنه، ومن تمادى على إساءته في إسلامه فلم ينته فلم يستحق أن يغفر له ما قد سلف، وإنما يغفر له الشرك الذي انتهى عنه فقط، ولو انتهى عن سائر إساءاته لغفرت له أيضا، وهذا نص الآية التي احتجوا بها.
(٦٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 678 679 680 681 682 683 684 685 686 687 688 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722