ففرض على كل من ذكرنا أن يعرف فرائض صلاته وصيامه وطهارته وكيف يؤدي كل ذلك.
وكذلك يلزم كل من ذكرنا أن يعرف ما يحله ويحرم، من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأقوال والأعمال، فهذا كله لا يسع جهله أحدا من الناس، ذكورهم وإناثهم، أحرارهم وعبيدهم وإمائهم، وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك من حين يبلغون الحلم وهم مسلمون، أو من حين يسلمون بعد بلوغهم الحلم، ويجبر الامام أزواج النساء وسادات الأرقاء على تعليمهم ما ذكرنا، إما بأنفسهم، وإما بالإباحة لهم لقاء من يعلمهم، وفرض على الامام أن يأخذ الناس بذلك، وأن يراتب أقواما لتعليم الجهال. ثم فرض على كل ذي مال تعلم حكم ما يلزمه من الزكاة، وسواء الرجال والنساء والعبيد والأحرار، فمن لم يكن له مال أصلا فليس تعلم أحكام الزكاة عليه فرضا.
ثم من لزمه فرض الحج، ففرض عليه تعلم أعمال الحج والعمرة. ولا يلزم ذلك من لا صحة لجسمه ولا مال له، ثم فرض على قواد العساكر معرفة السير وأحكام الجهاد، وقسم الغنائم والفئ، ثم فرض على الامراء والقضاة تعلم الاحكام والأقضية والحدود، وليس تعلم ذلك فرضا على غيرهم، ثم فرض على التجار وكل من يبيع غلته تعلم أحكام البيوع، وما يحل منها وما يحرم، وليس ذلك فرضا على من لا يبيع ولا يشتري ثم فرض على كل جماعة مجتمعة في قرية أو مدينة أو دسكرة - وهي المجشرة عندنا - أو حلة أعراب أحصن أن ينتدب منهم لطلب جميع أحكام الديانة أولها عن آخرها، ولتعلم القرآن كله، ولكتاب كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث الاحكام أولها عن آخرها وضبطها بنصوص ألفاظها، وضبط كل ما أجمع المسلمون عليه ما اختلفوا فيه من يقوم بتعليمهم وتفقيههم من القرآن والحديث والاجماع. يكتفي بذلك على قدر قلتهم أو كثرتهم بالآية التي تلونا في أول هذا الكتاب، بحسب ما يقدر أن يعمهم بالتعليم، ولا يشق على المستفتي قصده، فإذا انتدب لذلك من يقوم بما ذكرنا فقط سقط عن باقيهم إلا ما يلزمه خاصة نفسه فقط على ما ذكرنا آنفا، ولا يحل للمفقه أن يقتصر على آراء الرجال دون ما ذكرنا.