الاحكام - ابن حزم - ج ٥ - الصفحة ٦٨١
عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود يولد إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه.
قال أبو محمد: هذه الآيات التي تلونا، والحديثان اللذان ذكرنا، يبينان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ورواه عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
من يولد يولد على هذه الفطرة وفيه: حتى تكونوا أنتم تجدعونها فصح بهذا كله ضرورة أن الناس كلهم مولودون على الاسلام، وهذا تأويل قوله تعالى:
* (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا) * فقبول الملة الاسلامية هي الأمانة، وأن الله تعالى خلق الأنفس كلها جملة، وهي الحساسة العاقلة المميزة، ثم واثقها بالاسلام فقبلته، ثم أقرها حتى نقل كل نفس منها إلى جسدها فأقامت فيه ما أقامت، ثم تعود إلى مقرها عند سماء الدنيا حيث رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء، فأهل السعادة في محل اليمين في سرور وخير، وأهل الشقاء في محل الشمال في نكد ومشقة إلى يوم القيامة، فينزلون منازلهم من الجنة والنار بعد أن تكسي أجسادا على العظام المخرجة من القبور بعد أن أرمت وهذا نص قوله تعالى: * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ونص قوله تعالى: * (فأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين) * وقال تعالى:
* (وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة) * وقوله تعالى:
* (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) * بيان جلي أن النفوس إذا حلت الأجساد الكدرة الأرضية في الدنيا، فإنها ينتقص تمييزها، ويذهب ذكرها لما سلف، وأنها إذا فارقتها صح حسها، وذكا تمييزها، وصفا إدراكها، قال تعالى: * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) * وأخبر تعالى أن الدنيا غرور، فسبحان مخترع الكل ومدبره، لا إله إلا هو.
فبهذا وبغيره قلنا: ألا يترك أحد على غير دين الاسلام إلا من صح النص
(٦٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 676 677 678 679 680 681 682 683 684 685 686 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الثالث والعشرون في استصحاب الحال، وبطلان جميع العقود والعهود والشروط إلا ما أوجبه منها قرآن، أو سنة عن رسول الله (ص) ثابته 590
2 الباب الرابع والعشرون وهو باب الحكم بأقل ما قيل 630
3 الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف 642
4 الباب السادس والعشرون في أن الحق في واحد وسائر الأقوال كلها باطل 647
5 الباب السابع والعشرون في الشذوذ 661
6 الباب الثامن والعشرون في تسمية الصحابة الذين رويت عنهم الفتيا وتسمية الفقهاء المذكورين في الاختلاف بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم 663
7 الباب التاسع والعشرون في الدليل 676
8 الباب الموفي ثلاثين في لزوم الشريعة الإسلامية لكل مؤمن وكافر في الأرض ووقت لزوم الشرائع للإنسان 678
9 الباب الحادي والثلاثون في صفه التفقه في الدين، وما يلزم كل امرئ طلبه من دينه، وصفته المفتى الذين له أن يفتى في الدين، وصفة الاجتهاد الواجب على أهل الإسلام 689
10 الباب الثاني والثلاثون في وجوب النيات في جميع الأعمال والفرق بين الخطأ الذي تعمد فعله ولم يقصد به خلاف ما أمر وبين الخطأ الذين لم يتعمد فعله وبين العمل المصحوب بالقصد إليه، وحيث يلحق عمل المرء غيره بأجر أو اثم وحيث لا يلحق 706
11 الباب الثالث والثلاثون في شرائع الأنبياء عليهم السلام قبل محمد (صلى الله عليه وآله) أيلزمنا إتباعها ما لم ننه عنها أم لا يجوز لنا اتباع شئ منها أصلا إلا ما كان منها في شريعتنا وأمرنا نحن به نصا باسمه فقط؟ 722