الفضول، محكم الفصول، راجين أن ينفعنا الله عز وجل به يوم فقرنا إلى ما يثقل به ميزاننا من الحسنات، وأن ينفع به تعالى من يشاء من خلقه، فيضرب لنا في ذلك بقسط، ويتفضل علينا منه بحظ، فهو الذي لا يخيب رجاء من قصده بأمله وهو القادر على كل شئ: لا إله إلا هو.
وهذا حين نبدأ في ذلك بحول الله وقوته فنقول وبالله تعالى التوفيق:
إنه لما صح أن العالم مخلوق، وأن له خالقا لم يزل عز وجل، وصح أنه ابتعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، ليتخلص من أطاعه من أطباق النيران المحيطة بنا إلى الجنة المعدة لأوليائه عز وجل، وليكب من عصاه في النار الحامية، وصح أنه ألزمنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم شرائع من أوامر ونواه وإباحات باستعمال تلك الشرائع، يوصل إلى الفوز، وينجي من الهلاك، وصح أنه أودع تلك الشرائع في الكلام الذي أمره به رسوله الله صلى الله عليه وسلم بتبليغه إلينا، وسماه قرآنا، وفي الكلام الذي أنطق به رسوله صلى الله عليه وسلم وسماه وحيا غير قرآن، وألزمنا في كل ذلك طاعة نبيه عليه السلام، لزمنا تتبع تلك الشرائع في هذين الكلامين لنتخلص بذلك من العذاب، ونحصل على السلامة والحظوة في دار الخلود، ووجدناه تعالى قد ألزمنا ذلك بقوله في كتابه المنزل: * (وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * فوجب علينا أن ننفر لما استنفرنا له خالقنا عز وجل، فوجدناه قد قال في القرآن الذي قد ثبت أنه من قبله عز وجل، والذي أودعه عهوده إلينا اللازمة لنا: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . قال أبو محمد: فنظرنا في هذه الآية فوجدناها جامعة لكل ما تكلم الناس فيه أولهم عن آخرهم، مما أجمعوا عليه واختلفوا فيه الاحكام والعبادات التي شرعها الله عز وجل، لا يشذ عنها شئ من ذلك، فكان كتابنا هذا كله في بيان العمل بهذه الآية وكيفيته وبيان الطاعتين المأمور بهما لله تعالى ولرسوله عليه السلام