وكل ما قلنا فلم نقله جزافا، بل لم نقل كلمة في ذلك كله إلا مما قاله الله تعالى شاهدا بصحته، وميزه العقل، عالما بحقيقته، والحمد لله رب العالمين. وإن الله عز وجل ابتلى الأمم السالفة بأنبياء ابتعثهم إلى قومهم خاصة، فمؤمن وكافر، فريق في الجنة وفريق في السعير. ثم إنه تعالى بعث نبيه المختار، وعبده المنتخب من جميع ولد آدم، محمدا صلى الله عليه وسلم الهاشمي المكي، إلى جميع خلقه من الجن والإنس، فنسخ بملته جميع الملل، وختم به الرسل، وخصه بهذه الكرامة وسوده على جميع أنبيائه، واتخذ صفيا ونجيا وخليلا ورسولا فلا نبي بعده، ولا شريعة بعد شريعته إلى انقضاء الدنيا.
وإذ قد تيقنا أن الدنيا ليست دار قرار، ولكنها دار ابتلاء واختبار ومجاز إلى دار الخلود، وصح بذلك أنه لا فائدة في الدنيا وفي الكون فيها إلا العلم بما امر به عز وجل وتعليمه أهل الجهل والعمل بموجب ذلك، وإن ما عدا هذا مما يتنافس فيه الناس من بعد الصوت، غرور، وأن كل ما تشره إليه النفوس الجاهلة من غرض خسيس، خطأ، إلا ما قصد به إظهار العدل وقمع الزور، والحكم بأمر الله تعالى وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وإحياء سنن الحق، وإماتة طوالع الجور.
وإن ما تميل إليه النفوس الخسيسة من اللذات بمناظر مألوفة متغيرة عما قليل، وأصوات مستحسنة، متقضية بهبوب الرياح، ومشام مستطرفة، منحلة بعيد ساعات، ومذاوق مستعذبة، مستحلية في أقرب مدة أقبح استحالة، وملابس معجبة، متبدلة في أيسر زمان تبدلا موحشا، باطلا.
وإن كل ما يشغل به أهل فساد التمييز من كسب المال المنتقل عما قريب فضول، إلا ما أقام القوت وأمسك الرمق، وأنفق في وجوه البر الموصلة إلى الفوز في دار البقاء، كان أفضل ما عاناه المرء العاقل بيان ما يرجو به هدى أهل نوعه، وإنقاذهم من حيرة الشك وظلمة الباطل، وإخراجهم إلى بيان الحق ونور