بالبدن العنصري هي آلات درك النفس في هذه النشأة والنفس هي المدركة لها بتوسيطها، كما تدرك الأشياء الخارجية المحسوسة بتوسيط القوى الحساسة، فإنه بالنظر إلى الأمور الخارجية المحسوسة والتدبر فيها وفي اتقانها وكونها على ما ينبغي يحصل للنفس العلم بوجود صانع حكيم فتتحلى بذلك بحلية العارفين وتنال مقام المقربين في النشأة الآخرة (كيف) ولولا قيام الادراكات بالنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلال القوى الجسمانية يلزم زوال العلوم والمعارف الحاصلة للانسان في مدة عمره بعد اتعاب شديد ومجاهدات عظيمة فتبطل الحكمة الإلهية والعناية الربانية في بعث الرسل وانزال الكتب (لان) الغرض من ذلك ليس إلا تكميل العباد لأجل المعرفة بالمبدأ والمعاد وبلوغهم بما حصل لهم من المعارف الآلهية والقوانين الشرعية المتعلقة باعمالهم الجوارحية والجوانحية مع العمل بها في هذه النشأة إلى الدرجات الرفيعة ومقام المقربين ومنزلة المرسلين (فالقضايا) المتعلقة بالأحكام الشرعية المدركة للمجتهد باستنباطها من الأدلة التي أتقنها بنظره بعد اتعاب شديد علمية تكون أم ظنية كالمعارف الآلهية لا تكون محلها إلا نفس المجتهد فتكون باقية ببقائها، ولا يطرء عليها الزوال بالموت إلا بانكشاف خلافها في النشأة الأخروية التي هي دار الكشف والشهود ولا تزول أيضا بمثل الهرم والنسيان والمرض والجنون والاغماء وانما هي باقية وفى خزانة النفس محفوظة (غاية الامر) النفس غير متمكنة عند عروض هذه العوارض على البدن العنصري في هذه النشأة من ترتيب الأثر عليها، لمكان اشتغالها بتدبير البدن أو التوجه إلى نشأة أخرى، كما في حال النوم ونحوه (وحينئذ) فإذا كان الحامل لتلك الادراكات القوة العاقلة والنفس الناطقة الباقية بعد فناء البدن واضمحلاله وذهاب القوى الحيوانية المتعلقة به (فلا جرم) مهما شك في زوال آراء المجتهد بالموت لأجل احتمال انكشاف مخالفتها للواقع لديه في النشأة الأخروية يجري فيها الاستصحاب، ويترتب على بقائها ما لها من الآثار كجواز التقليد والحجية (لا يقال) ان الامر كذلك في الآراء القطعية، (واما الآراء) الظنية فلا مجال لاستصحاب بقائها للقطع بزوالها بانكشاف الواقع في تلك النشأة نفيا أو اثباتا (فإنه يقال) ان
(٢٦٣)