إلى أصل وجوب المعرفة مع الامكان وبيان ما يجب تحصيل العلم والمعرفة به (الثاني) في وجوب التدين والانقياد بما ثبت وجوب المعرفة به (الثالث) فيما يقتضيه الأصل عند الشك في وجوب المعرفة والاعتقاد بالنسبة إلى الزائد من المقدار المعلوم (الرابع) في حكم غير المتمكن من تحصيل المعرفة من حيث الوضع والتكليف (فنقول) (اما المقام الأول) فلا ينبغي الاشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالى ومعرفة ما يرجع إليه من صفاته الجمال والجلال ككونه واحدا قادرا عالما مريدا حيا غنيا لم يكن له نظير ولا شبيهه ولم يكن بجسم ولا مرئي ولا له حيز ونحو ذلك كما لا اشكال أيضا في كون الوجوب المزبور نفسيا لان المعرفة بالمبدء سبحانه هي الغاية القصوى والغرض الأصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبئ عنه قوله سبحانه (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون) حيث إن حقيقة العبودية هي المعرفة ولا ينافي ذلك مقدميتها لواجب اخر عقلي أو شرعي كالتدين والانقياد ونحوه (ثم إن عمدة) الدليل على وجوب المعرفة انما هو حكم العقل الفطري واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدء تعالى على كل مكلف بمناط شكر المنعم باعتبار كونها من مراتب أداء شكره فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به سبحانه وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال بل ويجب أيضا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه (والا) فمع الاغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجدي الأدلة السمعية كتابا وسنة من نحو قوله سبحانه (ما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون لعدم تمامية مثل هذه الاستدلال للجاهل بهما لا الزاما ولا اقناعا لان دليليتهما فرع الاعتقاد بهما وبكلامهما وحينئذ فالعمدة في الدليل على الوجوب هو حكم العقل الفطري (نعم) بعد تحصيل المعرفة بالمبدء ووسائط نعمه بحكم العقل لا باس بالاستدلال بالكتاب والسنة لاثبات وجوب المعرفة لما عداهما في فرض تمامية اطلاق تلك الأدلة من حيث متعلق المعرفة والا فبناء على عدم اطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسك بها أيضا (ثم) انه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني حيث إنه بعد ما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الاعتقاد وعقد القلب والانقياد له سبحانه لكون مثله أيضا
(١٨٨)