بحيث إذا سئل عن لمية ذلك الحكم أتى به وبجميع أصوله التي (يبتنى) (1) عليها. وانما وجب ذلك، لان الفتوى مشروطة بالعلم بالحكم، وما لم يكن عارفا بتلك الأمور لا يكون عالما به، لأن الشك في إحدى مقدمات الدليل (2) أو في مقدمات مقدماته، شك في الحكم، ولا تجوز الفتوى مع الشك في الحكم.
[و] إذا تقرر هذا: فلا يجوز (للمفتي) (3) أن يتعرض للفتوى حتى يثق من نفسه بذلك، ولا يجوز للمستفتي أن يستفتيه حتى يعلم منه ذلك من ممارسته و ممارسة العلماء وشهادتهم له باستحقاق منصب الفتوى وبلوغه إياه، ولا يكتفي العامي بمشاهدة المفتي متصدرا، ولا داعيا إلى نفسه، ولا مدعيا، ولا باقبال العامة عليه، ولا اتصافه بالزهد والتورع، فإنه قد يكون غالطا في نفسه أو مغالطا.
وإذا ثبت ذلك: فان كان في البلد واحد بهذه الصفة تعين للفتوى، وان كان أكثر: فان تساووا في العلم والعدالة جاز استفتاء كل منهم، فان اختلفوا في الفتوى - والحال هذه - كان المستفتي مخيرا في العمل بقول أيهم شاء وان كان أحدهم أرجح في العلم والعدالة وجب العمل (بفتواه) (4). وان اتفق اثنان أحدهما أعلم والاخر أكثر عدالة وورعا، قدم الأعلم، لان الفتوى تستفاد من العلم لا من الورع، والقدر الذي عنده من الورع يحجزه عن الفتوى بما لا يعلم، فلا اعتبار برجحان ورع الاخر.