هذا الذي يرزقكم إن أمسك» اي الله عزل وجل «رزقه» بامساك المطر وسائر مباديه كالذي مر تفصيله خلا ان قوله تعالى «بل لجوا في عتو ونفور» منبئ عن مقدر يستدعيه المقام كأنه قيل اثر تمام التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق بل لجوا وتمادوا في عتو اي عناد واستكبار وطغيان ونفور اي شراد عن الحق وقوله تعالى «أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى» الخ مثل ضرب للمشرك والموحد توضيحا لحالهما وتحقيقا لشأن مذهبهما والفاء لترتيب ذلك على ما ظهر من سوء حالهم وخرورهم في مهاوي الغرور وركوبهم متن عشواء العتو والنفور وعدم اهتدائهم في مسلك المحاجة إلى جهة يتوهم فيها رشد في الجملة فان تقدم الهمزة عليها صورة انما هو لاقتضائها الصدارة واما بحسب المعنى فالأمر بالعكس كما هو المشهور حتى لو كان مكان الهمزة هل لقيل فهل من يمشي مكبا الخ والمكب الساقط على وجهه يقال أكب خر على وجهه وحقيقته صار ذا كب ودخل في الكب كأقشع الغمام اي صار ذا قشع والمعنى أفمن يمشي وهو يعثر في كل ساعة ويخر على وجهه في كل خطوة لتوعر طريقه واختلال قواه اهدى إلى المقصد الذي يؤمه «أم من يمشي سويا» اي قائما سالما من الخبط والعثار «على صراط مستقيم» مستوى الأجزاء لا عوج فيه ولا انحراف قيل خبر من الثانية محذوف لدلالة خبر الأولى عليه ولا حاجة إلى ذلك فان الثانية معطوفة على الأولى عطف المفرد على المفرد كقولك أزيد أفضل أم عمرو وقيل أريد بالمكب الأعمى وبالسوي البصير وقيل من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة «قل هو الذي أنشأكم» انشاء بديعا «وجعل لكم السمع» لتسمعوا آيات الله وتمتثلوا بما فيها من الأوامر والنواهي وتتعظوا بمواعظها «والأبصار» لتنظروا بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله عز وجل «والأفئدة» لتتفكروا بها فيما تسمعونه وتشاهدونه من الآيات التنزيليه والتكوينية وترتقوا في معارج الايمان والطاعة «قليلا ما تشكرون» اي باستعمالها فيما خلقت لأجله من الأمور المذكورة وقليلا نعت لمحذوف وما مزيدة لتأكيد القلة اي شكرا قليلا أو زمانا قليلا تشكرون وقيل القلة عبارة عن العدم «قل هو الذي ذرأكم في الأرض» اي خلقكم وكثركم فيها لا غيره «وإليه تحشرون» للجزاء لا إلى غيره اشتراكا أو استقلالا فابنوا أموركم على ذلك «ويقولون» من فرط عتوهم وعنادهم «متى هذا الوعد» اي الحشر الموعود كما ينبئ عنه قوله تعالى واليه تحشرون «إن كنتم صادقين» يخاطبون به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث كانوا
(٩)