تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ٨٦
لوقوعه في معرض التساؤل والاختلاف والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال وقوله تعالى ثم كلا سيعلمون تكرير للردع والوعيد للمبالغة في التأكيد والتشديد وثم للدلالة على أن الوعيد الثاني أبلغ وأشد وقيل الأول عند النزع والثاني في القيامة وقيل الأول للبعث والثاني للجزاء وقرئ ستعلمون بالتاء على نهج الالتفات إلى الخطاب المواقف لما بعده من الخطابات تشديدا للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كما توهم فان فيه من الاخلال بجزالة النظم الكريم مالا يخفى وقوله تعالى ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المتسائل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيقته اثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع والوعيد ومن ههنا اتضح ان المتسائل عنه هو البعث لا القرآن أو نبوة النبي عليه الصلاة والسلام كما قيل والهمزة للتقرير والالتفات إلى الخطاب على القراءة المشهورة للمبالغة في الالزام والتبكيت والمهاد البساط والفراش وقرئ مهدا على تشبيهها بمهد الصبي وهو ما يمهد له فينوم عليه تسمية للممهود بالمصدر وجعل الجبال أوتادا لها إرساؤها بها كما يرسي البيت بالأوتاد وخلقناكم عطف على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه فإنه في قوة أما جعلنا الخ أو على ما يقتضيه الانكار التقريري فإنه في قوة أن يقال قد جعلنا الخ أزواجا أصنافا ذكرا وأنثى ليسكن كل من الصنفين إلى الآخر وينتظم امر المعاشرة والمعاش ويتسنى التناسل وجعلنا نومكم سباتا أي موتا لأنه أحد التوفيين لما بينهما من المشاركة التامة في انقطاع احكام الحياة وعليه قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وقوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقيل قطعا عن الاحساس والحركة لإراحة القوى الحيوانية وإزاحة كلاهما والأول هو اللائق بالمقام كما ستعرفه وجعلنا الليل الذي فيه يقع النوم غالبا لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد به ما يستر به عند النوم من اللحاف ونحوه فان شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد ادخل فهو جعل الليل محلا للنوم الذي جعل موتا كما جعل النهار محلا لليقظة
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة