إبليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل وأنواع المعاصي «فما لنا من شافعين» كما للمؤمنين من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام «ولا صديق حميم» كما نرى لهم أصدقاء أو فما لنا من شافعين ولا صديق حميم من الذين كنا نعدهم شفعاء وأصدقاء على أن عدمهما كناية عن عداوتهما كما أن عدم المحبة في مثل قوله تعالى والله لا يحب الفساد كناية عن البغض حسبما ينبئ عنه قوله تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين أو وقعنا في مهلكة لا يخلصنا منها شافع ولا صديق على أن المراد بعدمهما عدم أثرهما وجمع الشافع لكثرة الشفعاء عادة كما أن إفراد الصديق لقلته أو لصحة إطلاقه على الجمع كالعدو تشبيها لهما بالمصادر كالحنين والقبول وكلمة لو في قوله تعالى «فلو أن لنا كرة» للتمنى كليت لما أن بين معنييهما تلاقيا في معنى الفرض والتقدير كأنه قيل فليت لنا كرة أي رجعة إلى الدنيا وقيل هي على أصلها من الشرط وجوابه محذوف كأنه قيل فلو أن لنا كرة لفعلنا من الخيرات كيت وكيت ويأباه قوله تعالى «فنكون من المؤمنين» لتحتم كونه جوابا للتمني مفيدا لترتيب إيمانهم على وقوع الكرة البتة بلا تخلف كما هو مقتضى حالهم وعطفه على كرة طريقة للبس عباءة وتقر عيني كما يستدعيه كون لو على أصلها إنما يفيد تحقق مضمون الجواب على تقدير تحقق كرتهم وإيمانهم معا من غير دلالة على استلزام الكرة للإيمان أصلا مع أنه المقصود حتما «إن في ذلك» أي فيما ذكر من نبأ إبراهيم عليه السلام المشتمل على بيان بطلان ما كان عليه أهل مكة من عبادة الأصنام وتفصيل ما يؤول إليه أمر عبدتها يوم القيامة من اعترافهم بخطئهم الفاحش وندمهم وتحسرهم على ما فاتهم من الإيمان وتمنيهم الرجعة إلى الدنيا ليكونوا من المؤمنين عند مشاهدتهم لما أزلفت لهم جنات النعيم وبرزت لأنفسهم الجحيم وغشيهم ما غشيهم من ألوان العذاب وأنواع العقاب «لآية» أي آية عظيمة لا يقادر قدرها موجبة على عبدة الأصنام كافة لا سيما على أهل مكة الذين يدعون أنهم على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يجتنبوا كل الإجتناب ما كانوا عليه من عبادتها خوفا أن يحيق بهم مثل ما حاق بأولئك من العذاب بحكم الاشتراك فيما يوجبه أو أن في ذكر نبئه وتلاوته عليهم على ما هو عليه من غير أن تسمعه من أحد لآية عظيمة دالة على أن ما تتلوه عليهم وحي صادق نازل من جهة الله تعالى موجبة للإيمان به قطعا «وما كان أكثرهم مؤمنين» أي أكثر هؤلاء الذين تتلو عليهم النبأ مؤمنين بل هم مصرون على ما كانوا عليه من الكفر والضلال وأما أن ضمير أكثرهم لقوم إبراهيم عليه السلام كما توهموا فمما لا سبيل إليه أصلا لظهور أنهم ما ازدادوا مما سمعوا منه عليه الصلاة والسلام
(٢٥٣)