«في ضلال مبين» لا تدرك غايته حيث أغفلوا الاستماع والنظر بالكلية ووضع الظالمين موضع الضمير للإيذان بأنهم في ذلك ظالمون لأنفسهم «وأنذرهم يوم الحسرة» أي يوم يتحسر الناس قاطبة أما المسئ فعلى إساءته وأما المحسن فعلى قلة إحسانه «إذ قضي الأمر» أي فرغ من الحساب وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال حين يجاء بالموت على صورة كبش أملح فيذبح والفريقان ينظرون فينادي المنادي يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرح وأهل النار غما إلى غم وإذ بدل من يوم الحسرة أو ظرف للحسرة فإن المصدر المعرف باللام يعمل في المفعول الصريح عند بعضهم فكيف بالظرف «وهم في غفلة» أي عما يفعل بهم في الآخرة «وهم لا يؤمنون» وهما جملتان حاليتان من الضمير المستتر في قوله تعالى في ضلال مبين أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين وما بينهما اعتراض أو من مفعول أنذرهم أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين فيكون حال متضمنة لمعنى التعليل «إنا نحن نرث الأرض ومن عليها» لا يبقى لأحد غيرنا عليها وعليهم ملك ولا ملك أو نتوفى الأرض ومن عليها بالإفناء والإهلاك توفى الوارث لإرثه «وإلينا يرجعون» أي يردون للجزاء لا إلى غيرنا استقلالا أو اشتراكا «واذكر» عطف على أنذرهم «في الكتاب» أي في السورة أو في القرآن «إبراهيم» أي أتل على الناس قصته وبلغها إياهم كقوله تعالى واتل عليهم نبأ إبراهيم فإنهم ينتمون إليه عليه السلام فعساهم باستماع قصته يقلعون عما هم في من القبائح «إنه كان صديقا» ملازما للصدق في كل ما يأتي ويذر أو كثير التصديق لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله والجملة استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر فإن وصفه عليه السلام بذلك من دواعي ذكره «نبيا» خبر آخر لكان مقيد للأول مخصص له كما ينبئ عنه قوله تعالى من النبيين والصديقين الآية أي كان جامعا بين الصديقية والنبوة ولعل هذا الترتيب للمبالغة في الاحتراز عن توهم تخصيص الصديقية بالنوبة فإن كل نبي صديق «إذ قال» بدل اشتمال من إبراهيم وما بينهما اعتراض مقرر لما قبله أو متعلق بكان أو بنبيا وتعليق الذكر بالأوقات مع أن المقصود تذكير ما وقع فيها من الحوادث قد مر سره مرارا أي كان جامعا بين الأثرتين حين قال «لأبيه» آزر متلطفا في الدعوة مستميلا له «يا أبت» أي يا أبي فإن التاء عوض عن ياء الإضافة ولذلك لا يجتمعان وقد قيل يا أبتا لكون الألف بدلا من الياء «لم تعبد ما لا يسمع» ثناءك عليه عند عبادتك له وجؤارك إليه «ولا يبصر» خضوعك وخشوعك بين يديه أولا يسمع ولا يبصر شيئا من المسموعات والمبصرات فيدخل في ذلك
(٢٦٦)