نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة وقيل يرثني الحبورة وكان عليه السلام حبرا (ويرث من آل يعقوب) يقال ورثه وورث منه لغتان وآل الرجل خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين وكانت زوجة زكريا أخت أم مريم أي ويرث منهم الملك قيل هو يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وقال الكلبي ومقاتل هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام وكان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكريا قال الكلبي كان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولده حبورته ويرث من بني ماثان ملكهم وقرئ ويرث وارث آل يعقوب على أنه حال من المستكن في يرث وقرئ أو يرث آل يعقوب بالتصغير ففيه إيماء إلى وراثته عليه السلام لما يرثه في حالة صغره وقرئ وارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثني على طريقة التجريد أي يرثني به وارث وقيل من للتبعيض إذ لم يكن كل آل يعقوب عليه السلام أنبياء ولا علماء (واجعله رب رضيا) مرضيا عندك قولا وفعلا وتوسيط رب بين مفعولي اجعل للمبالغة في الاعتناء بشأن ما يستدعيه (يا زكريا) على إرادة القول أي قال تعالى يا زكريا (إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) لكن لا بأن يخاطبه عليه الصلاة والسلام بذلك بالذات بل بواسطة الملك على أن يحكي له عليه الصلاة والسلام هذه العبارة عنه عز وجل على نهج قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا الآية وقد مر تحقيقه في سورة آل عمران وهذا جواب لندائه عليه الصلاة والسلام ووعد بإجابة دعائه لكن لا كلا كما هو المتبادر من قوله تعالى فاستجبنا له ووهبنا له يحيى الخ بل بعضا حسبما تقتضيه المشيئة الإلهية المبنية على الحكم البالغة فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابي الدعوة لكنهم ليسوا كذلك في جميع الدعوات ألا يرى إلى دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في حق أبيه وإلى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وقد كان من قضائه عز وعلا أن يهبه يحيى نبيا مرضيا ولا يرثه فاستجيب دعاؤه في الأول دون الثاني حيث قتل قبل موت أبيه عليهما الصلاة والسلام على ما هو المشهور وقيل بقي بعده برهة فلا إشكال حينئذ وفي تعيين اسمه عليه الصلاة والسلام تأكيد للوعد وتشريف له عليه الصلاة والسلام وفي تخصيصه به عليه السلام حسبما يعرب عنه قوله تعالى (لم نجعل له من قبل سميا) أي شريكا له في الاسم حيث لم يسم أحد قبله بيحيى مزيد تشريف وتفخيم له عليه الصلاة والسلام فإن التسمية بالأسامي البديعة الممتازة عن أسماء سائر الناس تنويه بالمسمى لا محالة وقيل سميا شبها في الفضل والكمال كما في قوله تعالى هل تعلم له سميا فإن المتشاركين في الوصف بمنزلة المتشاركين في الاسم قالوا لم يكن له عليه الصلاة والسلام مثل في أنه لم يعص الله تعالى ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد من شيخ فان وعجوز عاقر وأنه كان حصورا فيكون هذا إجمالا لما نزل بعده من قوله تعالى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين والأظهر أنه اسم أعجمي وإن كان عربيا فهو منقول عن الفعل كيعمر ويعيش قيل سمي به لأنه حي به رحم أمه أوحى دين الله تعالى بدعوته
(٢٥٥)