الفجرة واللام في قوله تعالى «للذين آمنوا» للتبليغ كما في مثل قوله تعالى وقال لهم نبيهم وقيل لام الأجل كما في قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه أي قالوا لأجلهم وفي حقهم والأول هو الأولى لأن قولهم ليس في حق المؤمنين فقط كما ينطق به قوله تعالى «أي الفريقين» أي المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا أينا «خير» نحن أو أنتم «مقاما» أي مكانا وقرئ بضم الميم أي موضع إقامة ومنزل «وأحسن نديا» أي مجلسا ومجتمعا يروى أنهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخر ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين يريدون بذلك أن خيريتهم حالا وأحسنيتهم منالا مما لا يقبل الإنكار وأن ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزلفاهم عنده إذ هو العيار على الفضل والنقصان والرفعة والضعة وأن من ضرورته هوان المؤمنين عليه تعالى لقصور حظهم العاجل وما هذا القياس العقيم والرأي السقيم إلا لكونهم جهلة لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا وذلك مبلغهم من العلم فرد عليهم ذلك من جهته تعالى بقوله «وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا» اي كثيرا من القرون التي كانت أفضل منهم فيما يفتخرون به من الحظوظ الدنيوية كعاد وثمود وأضرابهم من الأمم العاتية قبل هؤلاء أهلكناهم بفنون العذاب ولو كان ما آتيناهم لكرامتهم علينا لما فعلنا بهم ما فعلنا وفيه من التهديد والوعيد مالا يخفى كأنه قيل فينتظر هؤلاء أيضا مثل ذلك فكم مفعول أهلكنا ومن قرن بيان لإبهامها وأهل كل عصر قرن لمن بعدهم لأنهم يتقدمونهم مأخوذ من قرن الدابة وهو مقدمها وقوله تعالى «هم أحسن أثاثا» في حيز النصب على انه صفة لكم وأثاثا تمييز النسبة وهو متاع البيت وقيل هو ما جد منه والخرثي ما لبس منه ورث والرئى المنظر فعل من الرؤية لما يرى كالطحن لما يطحن وقرئ ريا على قلب الهمزة ياء وإدغامها أو على أنه من الري وهو النعمة والترفه وقرئ ريئا على القلب وريا بحذف الهمزة وزيا بالزاي المعجمة من الزي وهو الجمع فإنه عبارة عن المحاسن المجموعة «قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا» لما بين عاقبة أمر الأمم المهلكة مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظ العاجلة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب هؤلاء المفتخرين بما لهم من الحظوظ ببيان مآل أمر الفريقين إما على وجه كلي متناول لهم ولغيرهم من المنهمكين في اللذة الفانية المبتهجين بها على أن من على عمومها وإما على وجه خاص بهم على أنها عبارة عنهم ووصفهم بالتمكن لذمهم والإشعار بعلة الحكم أي من كان مستقرا في الضلالة مغمورا بالجهل والغفلة عن عواقب الأمور فليمدد له الرحمن أي يمد له ويمهله بطول العمر وإعطاء المال والتمكين من التصرفات وإخراجه على صيغة الأمر للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير كما ينبئ عنه قوله عز وجل «أولم نعمركم» ما يتذكر فيه من تذكر أو للإستدراج كما ينطق به
(٢٧٧)