«وأعتزلكم» أي أتباعد عنك وعن قومك «وما تدعون من دون الله» بالمهاجرة بديني حيث لم تؤثر فيكم نصائحي «وأدعو ربي» أعبده وحده وقد جوز أن يراد به دعاؤه المذكور في تفسير سورة الشعراء ولا يبعد أن يراد به استدعاء الولد أيضا بقوله «رب هب لي من الصالحين» حسبما يساعده السباق والسياق «عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا» أي خائبا ضائع السعي وفيه تعريض بشقائهم في عبادة آلهتهم وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإجابة والإثابة بطريق التفضل منه عز وجل لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة وذلك من الغيوب المختصة بالعليم الخبير ما لا يخفي «فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله» بالمهاجرة إلى الشام «وهبنا له إسحاق ويعقوب» بدل من فارقهم من أقربائه الكفرة لكن لا عقيب المهاجرة فإن المشهور أن الموهوب حينئذ إسماعيل عليه السلام لقوله تعالى فبشرناه بغلام حليم إثر دعائه بقوله «رب هب لي من الصالحين» ولعل ترتيب هبتهما على اعتزاله ههنا لبيان كمال عظم النعم التي أعطاها الله تعالى إياه بمقابلة من اعتزلهم من الأهل والأقرباء فإنها شجرتا الأنبياء لهما أولاد وأحفاد أولو شأن خطير وذو عدد كثير هذا وقد روى أنه عليه السلام لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد لإسحاق يعقوب والأول هو الأقرب الأظهر «وكلا» أي كل واحد منهما أو منهم وهو مفعول أول لقوله تعالى «جعلنا نبيا» قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل بالنسبة إلى بعضهم أي كل واحد منهم جعلنا نبيا لا بعضهم دون بعض «ووهبنا لهم من رحمتنا» هي النبوة وذكرها بعد ذكر جعلهم نبيا للإيذان بأنها من باب الرحمة وقيل هي المال والأولاد ما بسط لهم من سعة الرزق وقيل هو الكتاب والأظهر أنها عامة لكل خير ديني ودنيوي أوتوه مما لم يؤته أحد من العالمين (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) يفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوة بقوله واجعل لي لسان صدق في الآخرين والمراد باللسان ما يوجد به الكلام ولسان العرب لغتهم واضافته إلى إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلال على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتبدل الدول وتحول الملل والنحل (واذكر في الكتاب موسى) قدم ذكرة على ذكر إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب عليهما السلام (إنه كان مخلصا) موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله تعالى وأخلص نفسه عما سواه وقرئ مخلصا على أن الله تعالى أخلصه (وكان رسولا نبيا) أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبهم عنه ولذلك قدم رسولا مع كونه أخص وأعلى
(٢٦٩)