سفرنا هذا» إشارة إلى ما سارا بعد مجاوزة الموعد «نصبا» تعبا وإعياء قيل لم ينصب ولم يجمع قبل ذلك والجملة في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتبار أن النصب إنما يعترى بسب الضعف الناشئ عن الجوع وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما «قال» أي فتاه عليه السلام «أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة» أي التجأنا إليها وأقمنا عندها وذكر الإواء إليها مع أن المذكور فيما سبق مرتين بلوغ مجمع البحرين لزيادة تعيين محل الحادثة فإن المجمع محل متسع لا يمكن تحقيق المراد المذكور بنسبة الحادثة إليه ولتمهيد العذر فإن الأواء إليها والنوم عندها مما يؤدي إلى النسيان عادة والرؤية مستعارة للمعرفة التامة والمشاهدة الكاملة ومراده بالاستفهام تعجيب موسى عليه السلام مما اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من العظائم التي لا تكاد تنسى وقد جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب وهذا أسلوب معتاد فيما بين الناس يقول أحدهم لصاحبه إذا نابه خطب أرأيت ما نابني يريد بذلك تهويله وتعجيب صاحبه منه وأنه مما لا يعهد وقوعه لا استخباره عن ذلك كما قيل والمفعول محذوف اعتمادا على ما يدل عليه من قوله عز وجل «فإني نسيت الحوت» وفيه تأكيد للتعجيب وتربية لاستعظام المنسي وإيقاع النسيان على اسم الحوت دون ضمير الغداء مع أنه المأمور بإتيانه للتنبيه من أول الأمر على أنه ليس من قبيل نسيان المسافر زاده في المنزل وأن ما شاهده ليس من قبيل الأحوال المتعلقة بالغداء من حيث هو غداء وطعام بل من حيث هو حوت كسائر الحيتان مع زيادة أي نسيت أن أذكر لك أمره وما شاهدت منه من الأمور العجيبة «وما أنسانيه إلا الشيطان» بوسوسته الشاغلة عن ذلك وقوله تعالى «أن أذكره» بدل اشتمال من الضمير أي ما أنساني أن أذكره لك وفي تعليق الإنساء بضمير الحوت أولا وبذكره له ثانيا على طريق الإبدال المنبئ عن تنحية المبدل منه إشارة إلى أن متعلق النسيان أيضا ليس نفس الحوت بل ذكر أمره وقرئ أن أذكره وإيثار أن أذكره على المصدر للمبالغة فإن مدلوله نفس الحدث عند وقوعه والحال وإن كانت غريبة لا يعهد نسيانها لكنه لما تعود بمشاهدة أمثالها عند موسى عليه السلام وألفها قل اهتمامه بالمحافظة عليها «واتخذ سبيله في البحر عجبا» بيان لطرف من أمر الحوت منبئ عن طرف آخر منه وما بينهما اعتراض قدم عليه للاعتناء بالاعتذار كأنه قيل حيي واضطرب ووقع في البحر واتخذ سبيله فيه سبيلا عجبا فعجبا ثاني مفعولي اتخذ والظرف حال من أولهما أو ثانيهما أو هو المفعول الثاني وعجبا صفة مصدر محذوف أي اتخاذا عجبا وهو كون مسلكه كالطاق والسرب أو مصدر فعل محذوف أي أتعجب منه عجبا وقد قيل إنه من كلام موسى عليه الصلاة والسلام وليس بذاك «قال» أي موسى عليه الصلاة والسلام «ذلك» الذي ذكرت من أمر الحوت «ما كنا
(٢٣٣)