من حال الملائكة حال غيرهم من عيسى وعزير عليهما السلام في الطاعة وابتغاء الوسيلة ورجاء الرحمة ومخافة العذاب ومن حال إبليس حال من يعاند الحق ويخالف الأمر أي واذكر وقت قولنا لهم (اسجدوا لآدم) تحية وتكريما لما له من الفضائل المستوجبة لذلك (فسجدوا) له من غير تلعثم امتثالا للأمر وأداء لحقه عليه الصلاد والسلام (إلا إبليس) وكان داخلا في زمرتهم مندرجا تحت الأمر بالسجود (قال) أي عند ما وبخ بقوله عز سلطانه يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين وقوله ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك وقوله ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي كما أشير إليه في سورة الحجر (أأسجد) وأنا مخلوق من العنصر العالي (لمن خلقت طينا) نصب على نزع الخافض أي من طين أو حال من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين أو من نفس الموصول أي أأسجد له وأصله طين والتعبير عنه صلى الله عليه وسلم بالموصول لتعليل إنكاره بما في حيز الصلة (قال) أي إبليس لكن لا عقيب كلامه المحكي بل بعد الإنظار المترتب على استنظاره المتفرع على الأمر بخروجه من بين الملأ الأعلى باللعن المؤبد وإنما لم تصرح بذلك اكتفاء بما ذكر في مواضع أخر فإن توسيط قال بين كلامي اللعين للإيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره كما في قوله تعالى قال فما خطبكم بعد قوله تعالى قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا لضالون (أرأيتك هذا الذي كرمت على) الكاف لتأكيد الخطاب لا محل لها من الإعراب وهذا مفعول أول والموصول صفته والثاني محذوف لدلالة الصلة عليه أي أخبرني عن هذا الذي كرمته على بأن أمرتني بالسجود له لم كرمته على وقيل هذا مبتدأ حذف عنه حرف الاستفهام والموصول مع صلته خبره ومقصوده الاستصغار والاستحقار ما يخاطبه به عقيبه (لئن أخرتن) حيا (إلى يوم القيامة) كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه قوله (لأحتنكن ذريته) أي لأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلا أو لأقودنهم حيث ما شئت ولأستولين عليهم استيلاء قويا من قولهم حنكت الدابة واحتنكتها إذا جعلت في حنكها الأسفل حبلا تقودها به وهذا كقوله لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين وإنما علم تسني ذلك المطلب له تلقيا من جهة الملائكة عليهم الصلاة والسلام أو استنباطا من قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء أو نوسما من خلقه (إلا قليلا) منهم وهم المخلصون الذين عصمهم الله تعالى (قال اذهب) أي امض لشأنك الذي اخترته وهو طرد له وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه (فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم) أي جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب في الغائب رعاية الحق المتبوعية (جزاء موفورا) أي جزاء مكملا من قولهم فر لصاحبك عرضه فرة أي وفر وهو نصب على أنه مصدر مؤكد لما في قوله فإن جهنم جزاؤكم من معنى تجازون أو للفعل المقدر أو حال موطئه لقوله موفورا
(١٨٣)