عن التعرض له ومن إفضاء ذلك إليه وللتوسل إلى الاستثناء بقوله تعالى «إلا بالتي هي أحسن» أي إلا بالخصلة والطريقة التي هي أحسن الخصال والطرائق وهي حفظه واستثماره «حتى يبلغ أشده» غاية لجواز التصرف على الوجه الأحسن المدلول عليه بالاستثناء لا للوجه المذكور فقط «وأوفوا بالعهد» سواء جرى بينكم وبين ربكم أو بينكم وبين غيركم من الناس والإيفاء بالعهد والوفاء به هو القيام بمقتضاه والمحافظة عليه ولا يكاد يستعمل إلا بالباء فرقا بينه وبين الإيفاء الحسي كإيفاء الكيل والوزن «إن العهد» أظهر في مقام الإضمار إظهارا لكمال العناية بشأنه أو لأن المراد مطلق العهد المنتظم للعهد المعهود «كان مسؤولا» أي مسؤولا عنه على حذف الجار وجعل الضمير بعد انقلابه مرفوعا مستكنا في اسم المفعول كقوله تعالى «وذلك يوم مشهود» أي مشهود فيه ونظيره ما في قوله تعالى تلك آيات الكتاب الحكيم على أن أصله الحكيم قائله فحذف المضاف وجعل الضمير مستكنا في الحكيم بعد انقلابه مرفوعا ويجوز أن يكون تخييلا كأنه يقال للعهد لم نكثت وهلا وفي بك تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة بأي ذنب قتلت «وأوفوا الكيل» أي أتموه ولا تخسروه «إذا كلتم» أي وقت كيلكم للمشترين وتقييد الأمر بذلك لما أن التطفيف هناك يكون وأما وقت الاكتيال على الناس فلا حاجة إلى الأمر بالتعديل قال تعالى إذا اكتالوا على الناس يستوفون الآية «وزنوا بالقسطاس» وهو القرسطون وقيل كل ميزان صغيرا كان أو كبيرا رومي معرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن لانتظام المعربات في سلك الكلم العربية وقرئ بضم القاف «المستقيم» أي العدل السوي ولعل الاكتفاء باستقامته عن الأمر بإيفاء الوزن لما أن عند استقامته لا يتصور الجور غالبا بخلاف الكيل فإنه كثيرا ما يقع التطفيف مع استقامة الآلة كما أن الاكتفاء بإيفاء الكيل عن الأمر بتعديله لما أن إيفاءه لا يتصور بدون تعديل المكيال وقد أمر بتقويمه أيضا في قوله تعالى وأوفوا الكيل والميزان بالقسط «ذلك» أي إيفاء الكيل والوزن بالميزان السوي «خير» في الدنيا إذ هو أمانة توجب الرغبة في معاملته والذكر الجميل بين الناس «وأحسن تأويلا» عاقبة تفعيل من آل إذا رجع والمراد ما يؤول إليه «ولا تقف» ولا تتبع من قفا أثره إذا تبعه وقرئ ولا تقف من قاف أثره أي قفاه ومنه القافة في جمع القائف «ما ليس لك به علم» أي لا تكن في اتباع مالا علم لك به من قول أو فعل كمن يتبع مسلكا لا يدري أنه يوصله إلى مقصده واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند قطعيا كان أو ظنيا واستعماله بهذا المعنى مما لا ينكر شيوعه وقيل إنه مخصوص بالعقائد وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم من قفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله تعالى في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج ومنه قول الكميت * ولا أرمي البرئ بغير ذنب * ولا أقفوا الحواصن إن رمينا * «إن السمع والبصر والفؤاد» وقرئ بفتح الفاء والواو المقلوبة من الهمزة عند ضم الفاء «كل أولئك»
(١٧١)