«ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم» تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في بيان قبح المنهي عنه وتمهيدا لقوله سبحانه «فتزل قدم» عن محجة الحق «بعد ثبوتها» عليها ورسوخها فهيا بالإيمان وإفراد القديم وتنكيرها للإيذان بأن زلل قدم واحدة أي قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام كثيرة «وتذوقوا السوء» أي العذاب الدنيوي «بما صددتم» بصدودكم أو بصدكم غيركم «عن سبيل الله» الذين ينتظم الوفاء بالعهود والأيمان فإن من نقض البيعة وارتد جعل ذلك سنة لغيره «ولكم» في الآخرة «عذاب عظيم» «ولا تشتروا بعهد الله» أي لا تأخذوا بمقابلة عهده تعالى وبيعة رسوله صلى الله عليه وسلم أو آياته الناطقة بإيجاب المحافظة على العهود والأيمان «ثمنا قليلا» أي لا تستبدلوا بها عرضا يسيرا وهو ما كانت قريش يعدون ضعفة المسلمين ويشترطون لهم على الارتداد من حطام الدنيا «إنما عند الله» عز وجل من النصر والتغنيم والثواب الأخروي «هو خير لكم» مما يعدونكم «إن كنتم تعلمون» أي إن كنتم من أهل العلم والتمييز وهو تعليل للنهي على طريقة التحقيق كما أن قوله تعالى «ما عندكم» تعليل للخيرية بطريق الاستئناف أي ما تتمتعون به من نعيم الدنيا وإن جل بل الدنيا وما فيها جميعا «ينفد» وإن جم عدده وينقضى وإن طال أمده «وما عند الله» من خزائن رحمته الدنيوية والأخروية «باق» لا نفاذ له أما الأخروية فظاهرة وأما الدنيوية فحيث كانت موصولة بالأخروية ومستتبعة لها فقد انتظمت في سمط الباقيات الصالحات وفي إيثار الاسم على صيغة المضارع من الدلالة على الدوام ما لا يخفى وقوله تعالى «ولنجزين» بنون العظمة على طريقة الالتفات تكرير الموعد المستفاد من قوله تعالى إن ما عند الله هو خير لكم على نهج التوكيد القسمي مبالغة في الحمل على الثبات في الدين والالتفات عما يقتضيه ظاهر الحال من أن يقال ولنجزينكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون للتوسل إلى التعرض لأعمالهم والإشعار بعليتها للجزاء أي والله لنجزين «الذين صبروا» على أذية المشركين ومشاق الإسلام التي من جملتها الوفاء بالعهود والفقر وقرئ بالياء من غير التفات «أجرهم» مفعول ثان لنجزين أي لنعطينهم أجرهم الخاص بهم بمقابلة صبرهم على ما منوا به من الأمور المذكورة «بأحسن ما كانوا يعملون» أي لنجزينهم بما كانوا يعملونه من الصبر المذكور وإنما أضيف إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه كما في قوله سبحانه وحسن ثواب الآخرة لا لإفادة قصر الجزاء على الأحسن منه دون الحسن فإن ذلك مما لا يخطر ببال أحد لا سيما بعد قوله تعالى أجرهم أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم المذكور على معنى لنعطيهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل لا أنا نعطي الأجر بحسب
(١٣٨)