قبل ذلك «إذا أردناه» ظرف لقولنا أي وقت إرادتنا لوجوده «أن نقول له كن» خبر للمبتدأ «فيكون» إما عطف على مقدر يفصح عنه الفاء وينسحب عليه الكلام أي فنقول ذلك فيكون كقوله تعالى إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإما جواب لشرط محذوف أي فإذا قلنا ذلك فهو يكون وليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور حتى يقال إنه يلزم منه أحد المحالين إما خطاب المعدوم أو تحصيل الحاصل أو يقال إنما يستدعيه انحصار قوله تعالى كن وليس يلزم منه انحصار أسباب التكوين فيه كما يفيده قوله تعالى إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فإن المراد بالأمر هو الشأن الشامل للقول والفعل ومن ضرورة انحصاره في كلمة كن انحصار أسبابه على الإطلاق فيه بل إنما هو تمثيل لسهولة تأتي المقدورات حسب تعلق مشيئته تعالى بها وتصوير لسرعة حدوثها بما هو علم في ذلك من طاعة المأمور المطيع لأمر الآمر المطاع فالمعنى إنما إيجادنا لشيء عند تعلق مشيئتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون ولما عبر عنه بالأمر الذي هو قول مخصوص وجب أن يعبر عن مطلق الإيجاد بالقول المطلق فتأمل وفي الآية الكريمة من الفخامة والجزالة ما يحار فيه العقول والألباب وقرئ بنصب يكون عطفا على نقول أو تشبيها له بجواب الأمر «والذين هاجروا في الله» أي في شأن الله تعالى ورضاه وفي حقه ولوجهه «من بعد ما ظلموا» ولعلهم الذين ظلمهم أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجوهم من ديارهم فهاجروا إلى الحبشة ثم بوأهم الله تعالى المدينة حسبما وعد بقوله سبحانه «لنبوئنهم في الدنيا حسنة» أي مباءة حسنة أو تبوئة حسنة كما قال قتادة وهو الأنسب بما هو المشهور من كون السورة غير ثلاث آيات من آخرها مكية وأما ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من أنها نزلت في صهيب وبلال وعمار وخباب وعايس وجبير وأبي جندل بن سهيل أخذهم المشركون فجعلوا يعذبونهم ليردوهم عن الإسلام فأما صهيب فقال لهم أنا رجل كبير إن كنت معكم لم أنفعكم وإن كنت عليكم لم أضركم فافتدى منهم بماله وهاجر فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه قال ربح البيع يا صهيب وقال عمر رضي الله عنه نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإنما يناسب ما حكى عن الأصم من كون كل السورة مدنية وما نقل عن قتادة من كون هذه الآية إلى آخر السورة مدنية فيحمل ما نقلناه عنه من نزول الآية في أصحاب الهجرتين على أن يكون نزولها بالمدينة بين الهجرتين وأما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملتهم فلا يساعده نظم التنزيل ولا شأنه الجليل وقرئ لنثوينهم ومعناه إثواءة حسنة أو لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على من ظلمهم من أهل مكة وعلى العرب قاطبة وأهل الشرق والغرب كافة «ولأجر الآخرة» أي أجر أعمالهم المذكورة في الآخرة «أكبر» مما يعجل لهم في الدنيا وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أعطى رجلا من المهاجرين عطاء قال له خذ بارك الله تعالى لك فيه هذا ما وعدك الله تعالى في الدنيا وما ادخر في الآخرة أفضل «لو كانوا يعلمون» الضمير للكفار أي لو علموا أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم في الدين وقيل للمهاجرين
(١١٥)