نذير» وقد انطمست اثار الشرائع السابقة وانقطعت اخبارها وزيادة من في الفاعل للمبالغة في نفى المجىء وتنكير بشير ونذير للتقليل وهذا كما ترى يقتضى ان المقدر أو المنوى فيما سبق هو الشرائع والاحكام لا كيفما كانت بل مشفوعه بما ذكر من الوعد والوعيد وقوله تعالى «فقد جاءكم بشير ونذير» متعلق بمحذوف ينبى عنه الفاء الفصيحة وتبين انه معلل به وتنوين بشير ونذير للتفخيم اى لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم بشير اى بشير ونذير اى نذير «والله على كل شيء قدير» فيقدر على الارسال تترى كما فعله بين موسى وعيسى عليهما السلام حيث كان بينهما الف وسبعمائة سنة والف نبي وعلى الارسال بعد الفترة كما فعله بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام حيث كان يبينهما ستمائة سنة أو خمسمائة وتسعة وستون سنة أو خمسمائة وستة وأربعون سنة وأربعة أنبياء على ما روى الكلي ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي وقيل لم يكن بعد عيسى عليه السلام الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأنسب بما في تنوين فترة من التفخيم اللائق بمقام الامتنان عليهم بان الرسول قد بعث إليهم عند كمال حاجتهم اليه بسبب مضي دهر طويل بعد انقطاع الوحي ليهشوا اليه ويعدوه أعظم نعمة من الله تعالى وفتح باب إلى الرحمة وتلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدا بأنه لم يرسل إليهم من بينهم من غفلتهم «وإذ قال موسى لقومه» جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما فعلت بنوا إسرائيل بعد اخذ الميثاق منهم وتفصيل كيفية نقضهم له وتعلقه بما قبله من حيث ان ما ذكر فيه من الأمور التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم ببيانها ومن حيث اشتماله على انتفاء فترة الرسل فيما بينهم وإذ نصب على انه مفعول لفعل مقدر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب وصرفه عن أهل الكتاب ليعدد عليهم ما صدر عن بعضهم من الجنايات أي واذكرهم وقت قول موسى لقومه ناصحا لهم ومستميلا لهم بإضافتهم اليه «يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم» وتوجيه الامر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمبالغة في ايجاب ذكرها لما ان ايجاب ذكر الوقت ايجاب لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهاني ولان الوقت مشتمل على ما وقع فيه تفصيلا فإذا استحضر كان ما وقع فيه حاضرا بتفاصيل كأنه مشاهد عيانا وعليكم متعلق بنفس النعمة إذا جعلت مصدرا وبمحذوف وقع حالا منها إذا جعلت اسما أي اذكروا انعامه عليكم أو اذكروا نعمة كائنة عليكم وكذا إذ في قوله تعالى «إذ جعل فيكم أنبياء» أي اذكروا انعامه تعالى عليكم في وقت جعله أو اذكروا نعمته تعالى كائنة عليكم في وقت جهله فيما بينكم من أقربائكم أنبياء ذوى عدد كثير وأولى شان خطير حيث لم يبعث من أمة من الأمم ما بعث من بني إسرائيل من الأنبياء «وجعلكم ملوكا» عطف على جعل فيكم داخل في حكمة أي جعل فيكم أو منكم ملوكا كثيرة فإنه قد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء وانما حذف الظرف تعويلا على ظهور الامر أو جعل الكل في مقام الامتنان عليهم ملوكا لما ان أقارب الملوك يقولون
(٢٢)