وللمبالغة في التشنيع فان أهلية الكتاب من موجبات مراعاته والعمل بمقتضاه وبيان ما فيه من الاحكام وقد فعلوا من الكتم والتحريف ما فعلوا وهم يعلمون «قد جاءكم رسولنا» للإضافة للتشريف والايذان بوجوب اتباعه وقوله تعالى «يبين لكم» حال من رسولنا وايثار الجملة الفعلية على غيرها للدلالة على تجدد البيان أي قد جائكم رسولنا حال كونه مبينا لكم على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة «كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب» أي التوراة والإنجيل كبعثة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى بأحمد عليهما السلام في الإنجيل وتأخير كثيرا عن الجار والمجرور بما مر مرارا من اظهار عناية بالمقدم لما فيه من تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر لان ما حقه التقديم إذا اخر لا سيما الاشعار بكونه من منافع المخاطب تبقى النفس مترقبة إلى وروده فيتمكن عندها إذا ورد فضل تمكن ولان في المؤخر درب تفصيل ربما يخل تقديمه بتجاذب أطراف النظم الكريم فان مما متعلق بمحذوف وقع صفة لكثيرا وما موصولة اسمية وما بعدها صلتها والعائد إليها محذوف ومن الكتاب متعلق بمحذوف هو حال من العائد المحذوف والجمع بين صيغتين الماضي والمستقبل للدلالة على استمرارهم على الكتم والاخفاء أي بين لكم كثيرا من الذي تخفونه على الاستمرار حال مونه من الكتاب الذي أنتم أهله والمتمسكون به «ويعف عن كثير» أي ولا يظهر كثيرا مما تخفونه إذا لم تدع اليه داعية دينية صيانة لكم عن زيادة الافتضاح كما يفصح عنه التعبير عن عدم الاظهار بالعفو وفيه حث لهم على عدم الاخفاء ترغيبا وترهيبا والجملة معطوفة على الجملة الحالية داخلة في حكمها وقيل يعف عن كثير منكم ولا يؤاخذه في قوله تعالى «قد جاءكم من الله نور» جملة مستأنفة مسوقة لبيان ان فائدة مجيء الرسول ليست منحصرة فيما ذكر ومن بيان ما كانوا يخفونه بل له منافع لا تحصى ومن الله متعلق بجاء ومن لابتداء الغاية مجازا أو محذوف وقع حالا من نور وأيا ما كان فهو تصريح بما يشعر به إضافة الرسول من مجيئه من جنابة عز وجل وتقديم الجار والجرور على الفاعل للمصارعة إلى بيان كون المجيء من جهته العالية والتشويق إلى الجائي ولان فيه نوع تطويل يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم كما في قوله تعالى وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وتنوين نور للتفخيم والمراد به وبقوله تعالى «وكتاب مبين» القران لما فيه من كشف ظلمات الشرك والشك وإبانة ما خفي على الناس من الحق والاعجاز البين والعطف لتنزيل المغايرة بالعنوان منزلة المغايرة وبالذات وقيل المراد بالأول هو الرسول صلى الله عليه وسلم وبالثاني القران «يهدي به الله» توحيد الضمير المجرور لاتحاد المرجع بالذات أو لكونهما في حكم الواحد أو أريد يهدي بما ذكر وتقديم الجار والمجرور للاهتمام واظهار الجلالة لاظهار كمال الاعتناء بأمر الهداية ومحل الجملة الرفع على انها صفة ثانية لكتاب أو النصب على الحالية منه لتخصصه بالصفة «من اتبع رضوانه» أي رضاه بالايمان به ومن موصوله أو
(١٨)