عند المفاخر نحن الملوك وانما لم يسلك ذلك المسلك فيما قبله لما ان منصب النبوة من عظم الخطر وعزه المطلب وصعوبة المنال ليس بحيث يليق ان ينسب اليه ولو مجازا من ليس ممن اصطفاه الله تعالى له وقيل كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم الله تعالى فسمى إنقاذهم ملكا وقيل الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار وقيل من له بيت وخدم وقيل من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الاعمال وتحمل المشاق «وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين» من فلق البحر واغراق العدو وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى وغير ذلك مما اتاهم الله تعالى من الأمور العظام والمراد بالعالمين الأمم الخالية إلى زمانهم وقيل من عالمي زمانهم «يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة» كرر النداء بالإضافة التشريفية اهتمام بشأن الامر ومبالغة في حثهم على الامتثال به والأرض هي ارض بيت المقدس سميت بذلك لأنها كانت قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين وقيل هي الطور وما حوله وقيل دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقيل هي الشام «التي كتب الله لكم» أي كتب في اللوح المحفوظ انها تكون مسكنا لكم ان امنتم وأطعتم لقوله تعالى له بعض ما عصوا فإنها محرمة عليهم وقوله تعالى «ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين» فان ترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الايمان والطاعة قطعا أي لا ترجعوا مدبرين خوفا من الجبابرة فالجار والمجرور متعلق بمحذوف هو حال من فاعل ترتدوا ويجوز ان يتعلق بنفس الفعل قيل لما سمعوا أحوالهم من النقباء بكوا وقالوا يا ليتنا متنا بمصر تعالوا نجعل لنا رأسا ينصرف بنا إلى مصر أولا ترتدوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وقوله فتنقلبوا اما مجزوم عطفا على ترتدوا أو منصوب على جواب النهي والخسران خسران الدين والدنيا لا سيما دخول ما كتب لهم «قالوا» استئناف مبنى نشأ من مساق الكلام كأنه قيل فماذا قالوا بمقابلة امره عليه السلام ونهيه فقيل قالوا غير ممتثلين بذلك «يا موسى إن فيها قوما جبارين» متغلبين لا يأتي منازعتهم ولا يتسنى مناصبتهم والجبار العاتي الذي يجبر الناس ويقسرهم كائنا من كان على ما يريده كائنا ما كان فعال من جبره على الأمر أي أجبره عليه «وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها» من غير صنع من قبلنا فان لا طاقة لنا باخراجهم منها «فإن يخرجوا منها» بسبب من الأسباب التي لا تعلق لنابها «فإنا داخلون» حينئذ اتوا بهذه الشرطية مع كون مضمونها مفهوما مما سبق من توقيت عدم الدخول وخروجهم منها تصريحا بالمقصود وتنصيصا على ان امتناعهم من دخولها ليس الا لمكانهم فيما واتوا في الجزاء بالجملة الاسمية المصدرة بحرف التحقيق دلالة على تقرر
(٢٣)