«أنت وربك فقاتلا» أي فقاتلاهم انما قالوا ذلك استهانة واستهزاء بع سبحانه وبرسوله وعدم مبالاة بهما وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبئ عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم وقيل أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول كلمته فذهب يجيبني كأنهم قالوا فأريد قتالهم واقصداهم وقيل التقدير فاذهب أنت وربك يعينك ولا يساعده قوله تعالى فقاتلا ولم يذكروا هارون ولا الرجلين كأنهم لم يجزموا بذهابهم أو لم يعبأوا بقتالهم وقوله تعالى «إنا ها هنا قاعدون» يؤيد الوجه الأول وأرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر «قال» عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريقة البث والحزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة «رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي» عطف على نفسي وقيل على الضمير في اني على معنى اني لا املك الا نفسي وان أخي لا يملك الا نفسه وقيل على الضمير في لا املك للفصل «فافرق بيننا» يريد نفسه واخاه والفاء لترتيب الفرق أو الدعاء به على ما قبله «وبين القوم الفاسقين» الخارجين عن طاعتك المصرين على عصيانك بان تحكم لنا بما نستحقه وعليهم بما يستحقونه وقيل بالتعبيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم «قال فإنها» أي الأرض المقدسة والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من الدعاء « محرمة عليهم» تحريم منع لا تحريم تعبد لا يدخلونها ولا يملكونها لان كتابتها لهم كانت مشروطة بالايمان والجهاد وحيث نكصوا على ادبارهم حرموا ذلك وانقلبوا خاسرين وقوله تعالى «أربعين سنة» ان جعل ظرفا لمحرمة يكون التحريم موقتا لا مؤبدا فلا يكون مخالفا لظاهر قوله تعالى كتب الله لكم فالمراد بتحريمها عليهم انه لا يدخلها أحد منهم في هذه المدة لكن لا بمعنى ان كلهم يدخلونها بعدها بل بعضهم ممن بقي حسب ما روى ان موسى عليه السلام صار بمن بقي من بني إسرائيل إلى أريحا وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها واقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض عليه السلام وقيل لم يدخلها أحد ممن قال لن ندخلها ابدا وانما دخلها مع موسى عليه السلام النواشي من ذرياتهم فالموقت بالأربعين في الحقيقة تحريمها على ذرياتهم وانما جعل تحريمها عليهم لما بينهما من العلاقة التامة المتاخمة للاتحاد وقوله تعالى «يتيهون في الأرض» أي يتحيرون في البرية استئناف لبيان كيفية حرمانهم أو حال من ضمير عليهم وقيل ظرف متعلق بيتهون فيكون التيه موقتا والتحريم مطلقا قيل كانوا ستمائة الف مقاتل وكان طول البرية تسعون فرسخا وقد تاهوا في ستة فراسخ أو تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا وقيل في ستة فراسخ في اثني عشر فرسخا روى انهم كانوا كل يوم يسيرون جادين حتى إذا أمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا وكان الغمام يظلهم من حر الشمس ويطلع بالليل عمود من نور يضيء لهم وينزل عليهم المن والسلوى ولا تطول شعورهم وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله وهذه الإنعامات عليهم مع انهم معاقبون لما ان عقابهم كان بطريق العرك والتأديب قيل كان موسى وهارون معهم ولكن
(٢٥)