والأبصار ومعرب عن حقيقته بأنه ليس على ظاهره بأن يقلب الله سبحانه مشاعرهم عن الحق مع توجههم إليه واستعدادهم له بطريق الإجبار بل بأن يخليهم وشأنهم بعد ما علم فساد استعدادهم وفرط نفورهم عن الحق وعدم تأثير اللطف فيهم أصلا ويطبع على قلوبهم حسبما يقتضيه استعدادهم كما أشرنا إليه وقوله تعالى «في طغيانهم» متعلق بنذرهم وقوله تعالى «يعمهون» حال من الضمير المنصوب في نذرهم أي ندعهم في طغيانهم متحيرين لا نهديهم هداية المؤمنين أو مفعول ثان لنذرهم أي نصيرهم عامهين وقرئ يقلب ويذر بالياء على إسنادهما إلى ضمير الجلالة وقرئ تقلب بالتاء والبناء للمفعول على إسناده إلى أفئدتهم «ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة» تصريح بما اشعر به قوله عز وجل وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون من الحكمة الداعية إلى ترك الإجابة إلى ما اقترحوه من الآيات إثر بيان أنها في حكمه تعالى وقضائه المبني على الحكم البالغة لا مدخل لأحد في أمرها بوجه من الوجوه وبيان لكذبهم في أيمانهم الفاجرة على أبلغ وجه وآكده أي ولو أننا لم نقتصر على إيتاء ما اقترحوه ههنا من آية واحدة من الآيات بل نزلنا إليهم الملائكة كما سألوه بقولهم لولا أنزل علينا الملائكة وقولهم لو ما تأتينا بالملائكة «وكلمهم الموتى» وشهدوا بحقية الإيمان بعد أن أحييناهم حسبما اقترحوه بقولهم فأتوا بآبائنا «وحشرنا» أي جميعا «عليهم كل شيء قبلا» بضمتين وقرئ بسكون الباء أي كفلاء بصحة الأمر وصدق النبي صلى الله عليه وسلم على أنه جمع قبيل بمعنى الكفيل كرغيف ورغف وقضيب وقضب وهو الأنسب بقوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أي لو لم نقتصر على ما اقترحوه بل زدنا على ذلك بأن أحضرنا لديهم كل شيء يتأتى منه الكفالة والشهادة بما ذكر لا فرادى بل بطريق المعية أو جماعات على أنه جمع قبيل وهو الأوفق لعموم كل شيء وشموله للأنواع والأصناف أي حشرنا كل شيء نوعا نوعا وصنفا صنفا وفوجا فوجا وانتصابه على الحالية وجمعيته باعتبار الكل المجموعي اللازم للكل الإفرادي أو مقابلة وعيانا على أنه مصدر كقبلا وقد قرىء كذلك وانتصابه على الوجهين على أنه مصدر في موقع الحال وقد نقل عن المبرد وجماعة من أهل اللغة أن الأخير بمعنى الجهة كما في قولك لي قبل فلان حق وأن انتصابه على الظرفية «ما كانوا ليؤمنوا» أي ما صح وما استقام لهم الإيمان لتماديهم في العصيان وغلوهم في التمرد والطغيان وأما سبق القضاء عليهم بالكفر فمن الأحكام المترتبة على ذلك حسبما ينبئ عنه قوله عز وجل ونذرهم في طغيانهم يعمهون وقوله تعالى «إلا أن يشاء الله» استثناء مفرغ من أعم الأحوال والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة أي ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماع ما ذكر من الأمور الموجبة للإيمان في حال من الأحوال الداعية إليه المتممة لموجباته المذكورة إلا في حال مشيئته تعالى لإيمانهم أو من أعم العلل أي ما كانوا ليؤمنوا لعلة من العلل المعدودة وغيرها إلا لمشيئته تعالى له وأيا ما كان فليس المراد بالاستثناء بيان أن إيمانهم على خطر الوقوع بناء على كون مشيئته
(١٧٤)