المخاطبين بالطريق البرهاني وللإيذان بان ما وصفوا به عند الخطاب من وصف الايمان داع إلى ما أمروا به من التوكل والتقوى وازع عن الاخلال بهما واظهار الاسم الجليل في موقع الاضمار لتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة التذييلية «ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل» كلام مستأنف مشتمل على ذكر بعض ما صدر عن بني إسرائيل من الخيانة ونقض الميثاق وما أدى اليه ذلك من التبعات مسوق لتقرير المؤمنين على ذكر نعمة الله تعالى ومراعاة حق الميثاق الذي أوثقهم به وتحذيرهم من نقضه أو لتقرير ما ذكر من الهم بالبطش وتحقيقه على تقدير كون ذلك من بني قريظة حسبما مر من الرواية ببيان ان الغدر والخيانة عادة لهم قديمة توارثوها من أسلافهم واظهار الاسم الجليل لتربية المهابة وتفخيم الميثاق وتهويل الخطب في نقضه مع ما فيه من رعاية حق الاستئناف المستدعى لانقطاع عما قبله والالتفات في قوله تعالى «وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا» للجرى على سنن الكبرياء أو لان البعث كان بواسطة موسى عليه السلام كما سيأتي وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لما مرا مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والنقيب فعيل بمعنى فاعل مشتق من النقب وهو التفتيش ومنه قوله تعالى فنقبوا في البلاد سمى بذلك لتفتيشه عن أحوال القوم وأسرارهم قال الزجاج واصله من النقب وهو الثقب الواسع روى ان بني إسرائيل لما استقروا بمصر بعهد مهلك فرعون امرهم الله عز وجل بالمسير إلى أريحا ارض الشام وكان يسكنها الجبابرة الكنعانيون وقال لهم اني كتبتها لكم دارا وقرارا فأخرجوا إليها وجاهدوا من فيها واني ناصركم وامر موسى عليه السلام ان يأخذ من كل سبط نقيبا أمينا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به توثقة عليهم فاختار النقباء واخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل إليهم النقباء وسار بهم فلما دنا من ارض كنعان بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظيمة وقوة وشوكة فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم بما رأوا وقد نهاهم موسى عن ذلك فنكثوا الميثاق الا كالب بن يوقنا نقيب سبط يهوذا ويوشع بن نون نقيب سبط إفراييم بن يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام قيل لما توجه النقباء إلى ارضهم للتجسس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وكان على رأسه حزمة حطب فاخذهم وجعلهم في الحزمة وانطلق بهم إلى امرأته وقال انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون انهم يريدون قتالنا فطرحهم بين يديها وقال ألا أطحنهم برجلي فقالت لا بل خلي عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل فجعلوا يتعرفون أحوالهم وكان لا يحمل عنقود عنبهم الا خمسة رجال أو أربعة فلما خرج النقباء قال بعضهم لبعض ان أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ارتدوا عن نبي الله ولكن اكتموه
(١٤)