«لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا» جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها من قبائح اليهود وعراقتهم في الكفر وسائر أحوالهم الشنيعة التي من جملتها موالاتهم للمشركين أكدت بالتوكيد القسمي اعتناء ببيان تحقق مضمونها والخطاب إما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد صالح له إيذانا بأن حالهم مما لا يخفى على أحد من الناس والوجدان متعد إلى اثنين أحدهما أشد الناس والثاني اليهود وما عطف عليه وقيل بالعكس لأنهما في الأصل مبتدأ وخبر مصب الفائدة هو الخبر لا المبتدأ ولا ضير في التقديم والتأخير إذا دل على الترتيب دليل وههنا دليل واضح عليه وهو أن المقصود بيان كون الطائفتين أشد الناس عداوة للمؤمنين لا كون أشدهم عداوة لهم الطائفتين المذكورتين وأنت خبير بأنه بمعزل من الدلالة على ذلك كيف لا والإفادة في الصورة الثانية أتم وأكمل مع خلوها عن تعسف التقديم والتأخير غذ المعنى أنك إن قصدت أن تعرف من أشد الناس عداوة للمؤمنين وتتبعت أحوال الطوائف طرا وأحطت بما لديهم خبرا وبالغت في تعرف أحوالهم الظاهرة والباطنة وسعيت في تطلب ما عندهم من الأمور البارزة والكامنة لتجدن الأشد تينك الطائفتين لا غير فتأمل واللام الداخلة على الموصول متعلقة بعداوة مقوية لعملها ولا يضر كونها مؤنثة بالتاء مبنية عليها كما في قوله ورهبة عقابك وقيل متعلقة بمحذوف هو صفة لعداوة أي كائنة للذين آمنوا وصفهم الله تعالى بذلك لشدة شكيمتهم وتضاعف كفرهم وانهماكهم في اتباع الهوى وقربهم إلى التقليد وبعدهم عن التحقيق وتمرنهم على التمرد والاستعصاء على الأنبياء والاجتراء على تكذيبهم ومناصبتهم وفي تقديم اليهود على المشركين بعد لزهما في قرن واحد إشعار بتقدمهم عليهم في العداوة كما أن تقديمهم عليهم في قوله تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا إيذانا بتقدمهم عليهم في الحرص «ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا» أعيد الموصول مع صلته روما لزيادة التوضيح والبيان «الذين قالوا إنا نصارى» عبر عنهم بذلك إشعار بقرب مودتهم حيث يدعون أنهم أنصار الله وأوداء أهل الحق وإن لم يظهروا اعتقدا حقية الإسلام وعلى هذه النكتة مبنى الوجه الثاني في تفسير قوله تعالى ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم والكلام في مفعولي لتجدن وتعلق اللام كالذي سبق والعجول عن جعل ما فيه التفاوت بين الفريقين شيئا واحدا قد تفاوتا فيه بالشدة والضعف أو بالقرب والبعد بأن يقال آخرا ولتجدن أضعفهم عداوة الخ أو بأن يقال أو لا لتجدن أبعد الناس مودة الخ للإيذان بكمال تباين ما بين الفريقين من التفاوت ببيان أن أحدهما في أقصى مراتب أحد النقيضين والآخر في أقرب مراتب النقيض الآخر «ذلك» أي كونهم أقرب مودة للمؤمنين «بأن منهم» بسبب أن منهم «قسيسين» وهم علماء النصارى وعبادهم ورؤساؤهم والقسيس صيغة مبالغة من تقسس الشيء إذا تتبعه وطلبه بالليل سموا به لمبالغتهم في تتبع العلم قاله الراغب وقيل القس بفتح القاف تتبع الشيء ومنه سمى عالم النصارى قسيسا لتتبعه العلم وقيل قص الأثر وقسه بمعنى وقيل
(٧١)