عباس رضي الله تعالى عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا جماعة من اليهود إلى دين الاسلام وخوفهم بعقاب الله تعالى فقالوا كيف تخوفنا به ونحن أبناء الله وأحباؤه وقيل ان النصارى يتلون في الإنجيل ان المسيح قال لهم إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وقيل أرادوا ان الله تعالى كالأب لنا في الحنو والعطف ونحن كالأبناء له في القرب والمنزلة وبالجملة انهم كانوا يدعون ان لهم فضلا ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق فرد عليهم ذلك وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم «قل» الزاما لهم وتبكيتا «فلم يعذبكم بذنوبكم» أي ان صح ما زعمتم فلأي شيء يعذبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وقد عرفتم بأنه تعالى سيعذبكم في الآخرة بالنار أياما بعدد أيام عبادتكم العجل ولو كان الامر كما زعمتم لما صدر عنكم ما صدر ولما وقع عليكم ما وقع وقوله تعالى «بل أنتم بشر» عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي لستم كذلك بل أنتم بشر «ممن خلق» أي من جنس من خلقه الله تعالى من غير مزية لكم عليهم «يغفر لمن يشاء» ان يغفر له من أولئك المخلوقين وهم الذين امنوا به تعالى وبرسله «ويعذب من يشاء» ان يعذبه منهم وهم الذين كفروا به وبرسله مثلكم «ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما» من الموجودات لا ينتمي اليه سبحانه شيء منها الا بالملوكية والعبودية والمقهورية تحت ملكوته يتصرف فيهم كيف يشاء ايجادا وإعداما واحياء وإماتة وإثابة وتعذيبا فاني لهم ادعاء ما زعموا «وإليه المصير» في الآخرة خاصة لا إلى غيره استقلال أو اشتراكا فيجازى كلا من المحسن والمسيء بما يستدعيه عمله من غير صارف يثنيه ولا عاطف يلويه «يا أهل الكتاب» تكرير للخطاب بطريق الالتفات ولطف في الدعوى «قد جاءكم رسولنا يبين لكم» حال من رسولنا وإيثارة على مبينا لما مر فيما سبق أي يبين لكم الشرائع والاحكام الدينية المقرونة بالوعد والوعيد من جملتها ما بين في الآيات السابقة من بطلان أقاويلكم الشنعاء وما سيأتي من اخبار الأمم السالفة وانما حذف تعويلا على ظهور ان مجيء الرسول انما هو لبيانها أو يفعل لكم البيان ويبذله لكم في كل ما تحتاجون فيه إلى البيان من أمور الدين واما تقدير مثل ما سبق في قوله تعالى كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب كما قيل فمع كونه تكريرا من غير فائدة يرده قوله عز وجل «على فترة من الرسل» فان فتور الارسال وانقطاع الوحي انما يحوج إلى بيان الشرائع والاحكام لا إلى بيان ما كتموه وعلى فترة متعلق بجائكم على الظرفية كما في قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان أي جاءكم على حين فتور الارسال وانقطاع من الوحي ومزيد احتياج إلى بيان الشرائع والاحكام الدينية أو بمحذوف وقع حال من ضمير يبين أو من ضمير لكم أي يبين لكم ما ذكر حال كونه على فترة من الرسل أو حال كونكم عليها أحوج ما كنتم إلى البيان ومن الرسل متعلق بمحذوف وقع صفة لفترة أي كائنة من الرسل مبتدأ من جهتهم وقوله تعالى «أن تقولوا» تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حذف المضاف أي كراهة ان تقولوا معتذرين عن تفريطكم في مراعاة احكام الدين «ما جاءنا من بشير ولا
(٢١)