استتباعها لصفات الكمال التي من جملتها العلم وتمهيدا للتعريض بجهلهم بقوله تعالى «ولكن أكثرهم لا يعلمون» أي لا يعلمون ما ذكر من اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا فلا يعلمون شيئا مما ذكر قطعا وبعضهم يعلمون أنها واقعة البتة ويزعمون أنك واقف على وقت وقوعها فيسألونك عنه جهلا وبعضهم يدعون أن العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنه ذريعة إلى القدح في رسالتك والمستثنى من هؤلاء هم الواقفون على جلية الحال من المؤمنين وأما السائلون عنها من اليهود بطريق الامتحان فهم منتظمون في سلك الجاهلين حيث لم يعلموا بعلمهم وقوله تعالى «قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا» شروع في الجواب عن السؤال ببيان عجزه عن علمها إثر بيان عجز الكل عنه وإبطال زعمهم الذي بنوا عليه سؤالهم من كونه صلى الله عليه وسلم ممن يعلمها وإعادة الأمر لإظهار كمال العناية بشأن الجواب والتنبيه على استقلاله ومغايرته للأول والتعرض لبيان عجزه عما ذكر من النفع والضر لإثبات عجزه عن علمها بالطريق البرهاني واللام إما متعلق بأملك أو بمحذوف وقع حالا من نفعا أي لا أقدر لأجل نفسي على جلب نفع ما ولا على دفع ضر ما «إلا ما شاء الله» أن أملكه من ذلك بأن يلهمنيه فيمكنني منه ويقدرني عليه أو لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا أبلغ في إظهار العجز «ولو كنت أعلم الغيب» أي جنس الغيب الذي من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية ومن المباينات المستتبعة للمانعة والمدافعة «لاستكثرت من الخير» أي لحصلت كثيرا من الخير الذي نيط تحصيله بالأفعال الاختيارية للبشر بترتيب أسبابه ودفع موانعه «وما مسني السوء» أي السوء الذي يمكن التقصي عنه بالتوقي عن موجباته والمدافعة بموانعه لا سوء ما فإن منه ما لا مدفع له «إن أنا إلا نذير وبشير» أي ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة شأني حيازة ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة واقترابها وأما تعيين وقتها فليس ما يستدعيه الإنذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من أن إيهامه أدعى إلى الانزجار عن المعاصي وتقديم النذير على البشير لما أن المقام مقام الإنذار وقوله تعالى «لقوم يؤمنون» إما متعلق بهما جميعا لأنهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة وإما بالبشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف أي نذير للكافرين أي الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون أي في أي وقت كان ففيه ترغيب للكفرة في إحداث الإيمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان «هو الذي خلقكم» استئناف سيق لبيان كمال عظم جناية الكفرة في جراءتهم على الإشراك بتذكير مبادى
(٣٠٢)