لم يشأ هداية الكل بل هداية البعض الصارفين هممهم إلى سلوك طريق الحق وضلال آخرين صرفوا اختيارهم إلى خلاف ذلك من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم «قل هلم شهداءكم» أي أحضروهم وهو اسم فعل لا يتصرف على لغة أهل الحجاز وفعل يؤنث ويجمع على لغة بني تميم على رأي الجمهور وقد خالفهم البعض في فعليته وليس بشيء وأصله عند البصريين هالم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنه الأصل وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام وهو بعيد لأن هل تدخل الأمر ويكون متعديا كما في الآية ولازما كمال في قوله تعالى هلم إلينا «الذين يشهدون أن الله حرم هذا» وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم وإنما أمروا باستحضارهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالإضافة ووصفوا بما يدل على انهم شهداء معروفون بالشهادة لهم وبنصرة مذهبهم «فإن شهدوا» بعد ما حضروا بأن الله حرم هذا «فلا تشهد معهم» أي فلا تصدقهم فإنه كذب بحت وافتراء صرف وبين لهم فساده فإن تسليمه منهم موافقة لهم في الشهادة الباطلة «ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا» من وضع المظهر مقام المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات الله تعالى وعدل به غيره فهو متبع للهوى لا غير وأن من اتبع الحجة لا يكون إلا مصدقا بها «والذين لا يؤمنون بالآخرة» كعبدة الأوثان عطف على الموصول الأول بطريق عطف الصفة على الصفة مع اتحاد الموصوف كما في قوله [إلى الماجد القرم وابن الهما * م وليث الكتائب في المزدحم] فإن من يكذب بآياته تعالى لا يؤمن بالآخرة وبالعكس «وهم بربهم يعدلون» أي يجعلون له عديلا بلا عطف على لا يؤمنون والمعنى لا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله وبين الكفر بالآخرة وبين الإشراك به سبحانه لكن لا على أن يكون مدار النهي الجمع المذكور بل على أن أولئك جامعون لها متصفون بكلها «قل تعالوا» لما ظهر بطلان ما ادعوا من أن إشراكهم وإشراك آبائهم وتحريم ما حرموه بأمر الله تعالى ومشيئته بظهور عجزهم عن إخراج شيء يتمسك به في ذلك وإحضار شهداء يشهدون بما ادعوا في أمر التحريم بعد ما كلفوه مرة بعد أخرى عجزا بينا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبين لهم من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه على الأسلوب الحكيم إيذانا بأن حقهم الاجتناب عن هذه المحرمات وأما الأطعمة المحرمة فقد بينت بقوله تعالى قل لا أجد الآية وتعالى أمر من التعالي والأصل فيه أن يقله من في مكان
(١٩٧)